الطريق

وفي موضع آخر يعود القديس كيرلس إلى شرح نفس هذه الأمور مُبيِّناً أن معمودية المسيح كانت بداية تحقيق موعد الآب بإرسال الروح القدس على كلِّ جسد بحسب نبوَّة يوئيل النبي:

– في شرح كيف اقتبل الإنسانُ روحَ الله في الخلقة عندما نفخ الله في أنفه نسمة حياة، وكيف فارق روح الله الإنسان بسبب تعدِّي الإنسان لوصية الله، وكيف تجسَّد كلمة الله وصار إنساناً مثلنا واقتبل الروح القدس من الآب بصفته واحداً منا حتى يحتفظ به لنا في داخل طبيعتنا ويهبه لنا بدون أن يُفارقنا مرة أخرى؛ يقول القديس كيرلس الكبير موضِّحا ذلك:

يرتل داود قائًلاً في موضع ما:« كرسيك يا الله إلى دهر الدهور » . ثم يقول: « لذلك مسحك الله إلهك بزيت البهجة ». ( مـز 7:45 )، لقد كان الكلمة يملك مع الآب من قبل هذه المسحة، فكيف إذن يٌمسح ليصير ملكًا، وكيف يٌقدس، وهو المالك والقدوس في كل حين؟

المعمودية سر لا يتكرَّر، لأن المسيح مات مرَّة واحدة ولا يسود الموت عليه بعد. هكذا كل مَنْ اعتمد للمسيح لا تتكرَّر معموديته قط، لأنها ليست تكراراً لمعمودية المسيح على الصليب بل هي في الحقيقة اصطباغ حقيقي في ذات صبغة المعمودية الواحدة التي أجراها المسيح مرَّة واحدة بالموت الذي ماته على الصليب كذبيحة فريدة في نوعها عن كل إنسان.

أصل الطقس: (تكوين 17): «وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي. أنتَ ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم. فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيامٍ يختن منكم كلُّ ذكرٍ في أجيالكم. وَلِيد البيت والمُبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك. يختن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بفضتك. فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبديًّا. وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختَن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي.» (تك 17: 9 – 14)

العلاقة بين معمودية المسيح في نهر الأردن وبين صبغته الخلاصية على الصليب عندما تخضَّب جسده بالدم،

إن المسيح لم يقبل الروح لنفسه هو بل بالحري لنا نحن فيه، لأن جميع الخيرات إنما بواسطته تتدفَّق فينا نحن أيضًا.

لقد إعتمد الرب لكي يعطي لنا مسحًة أفضل من مسحة ملوك وأنبياء بني إسرائيل، فقد إنسكب عليه الروح القدس، أي على ناسوته. ونحن نقول: “عليه ” مؤكِّدين وحدة الأُقنوم وعدم إنفصال الطبيعتين؛ لأن ثبات الناسوت هو في إتحاده بابن الله الكلمة الأزلي المساوي للآب حسب الجوهر، والمساوي لنا حسب تدبير التجسُّد.

لقد جاء صوت الله الآب قائلاً من نحو المسيح أثناء عماده المقدس: « هذا هو ابني الحبيب»

الرب نفسه يقول بفمه في إنجيل يوحنا: “من أجلهم أقدس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق” (يـو19:17)كيفّ تم ذلك؟