يوليو 5, 2021 بالروح ستحيـــون (2)

بالروح ستحيـــون (2)

         تحدثنا في المقالة السابقة عن تحول أعمال الجسد الملآن خطايا إلى جسد يثمر فيه الروح، ولكن كثيراً ما يجد الإنسان نفسه لا يستطيع سوى السلوك بحسب الجسد، وهذا ما عَبر عنه القديس بولس في الأصحاح السابع من رسالة رومية عن مأساة الإنسان فيقول: “وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟” فهنا يبين أن الإنسان عندما يكون أمامه وصية إلهية مثل الناموس عند اليهود – صواب وخطأ – تفعل هذا ولا تفعل ذلك – فعندما يحاول أن يفعل الصواب لا يقدر، وعندما يحاول ألا يفعل الخطأ لا يقدر، ولكن يجد نفسه لا يستطيع إلا أن يفعله. فهنا يتحدث عن حالة البشرية الساقطة المتعبة، وفي النهاية ندخل في حالة من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير والشعور بالتقصير والإحباط.

ولكنه يعود فيذكر لنا في رومية الأصحاح الثامن، أمر محوري في عمل روح الله – نبع الحياة- في حياة المؤمن وما سيعود عليه عندما يعمل روح الله فيه، فيقول: “إِذًا لَا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلْآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ.” وهذا إقرار بأن هناك حقيقة موجودة الآن، وماذا يقصد بالآن؟ وماذا كان قبلها؟ يقصد قبل الآن حالة السقوط التي كان فيها الإنسان مستعبد للخطية، ولا يعرف كيف يرضي الله، والآن: أي عندما جاء المسيح واتحد بنا، وإنسكب الروح القدس على الإنسان والكنيسة في يوم الخمسين.

+ إذاً بعد الخلاص الذي أتمه الله للبشر – الآن- لا شيء من الدينونة، أي لا يوجد حكم موت.
+ الله جاء ليُكلم الخطاة – أي أنا – ليعلن لي أنه ليس هناك دينونة عليَّ بالرغم إني كل يوم أقع في الخطية، لكن بالتوبة، ولأنى في المسيح والروح القدس ساكن فيَّ، فبالرغم من هذا الوضع المتناقض فإني ما زلت أتجدد وأتغير، وسأظل كذلك حتى آخر يوم في حياتي، ويتوج هذا التجديد بإستبدال الجسد الترابي بالجسد النوراني.

+ فأنا خاطئ فعلاً ولكني في مسيرة توبة وتغيير وتجديد.
+ لقد أُلغى وأبطل حكم الموت الذي علينا، ولكنه لم يبطل على الذين يتبعون الشيطان.
+ كون أنه فىَّ خطية، لا يعني إني خارج المسيح ما دمت أداوم على التوبة.

ومعني أن يسلك شخص ما بحسب الجسد هو أن يكون محور حياته أمور العالم، وطريقة تفكيره مثل طريقة العالم، وأن يرى حياته في أمور الجسد الميت الساقط، ومُستعبد للخطية، ولم يسلم حياته لنبع الحياة، فهذا إنسان جسداني يسير بمنطق العالم لذا عليه دينونة.
والإنسان عندما يسلك بالجسد يعتقد أنه قادر أن يفعل الصلاح من نفسه، فيقرر أن هذا صحيح سأفعله، وهذا خطأ لا أفعله. هذا هو وضع الشقاء، وفي هذه الحالة لا ينجح الإنسان أبداً في إرضاء الله ويشعر بالفشل.

لكن الذين في المسيح هم هؤلاء السالكين حسب الروح. والسالك بالروح هو الإنسان الممتلئ بروح الله. والملء هو نتيجة الإشتياق والطلب، فيتحنن الله عليه بسكيب الروح، ويثبت في الله، ويسمع همسات الروح له فيرشده ويوجهه.
والسلوك بالروح هو مصدر الحياة مع الله. فلم يعد عندنا ناموس وممنوعات كما يقول “لِأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ” (رومية 2:8)، فروح الله هو الذي يحررني بعدما كنت مستعبداً لهذا النظام الساقط.

كذلك يقول “لِأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِٱلْجَسَدِ، فَٱللهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ” (رومية 8: 3).
سيظل الإنسان لا يستطيع أن يعيش بالناموس، لأن الطبيعة البشرية الساقطة ضعيفة لا تستطيع أن تتمم الوصايا.

أحيانا بعدما يسلك الإنسان بالروح ويسير في الطريق قليلاً ويقوده الله في سلوكه وتفكيره وطريقة كلامه، ويرى كيف ترك الخطية، ويعود بعدها فيتأثر بما حوله من المنظومة القديمة، أو أن الشيطان يجعله يخطئ، فيعتقد أن ما سار فيه كان بذراعه، وليس بسبب إتكاله على روح الله ـ نبع الحياة ـ ويشك في كل ما مر به، ويوهمه الشيطان إنها كانت شعارات ونشوة وحماسة البداية، وأنه لا يستطيع أن يستمر في هذه الحياة الجديدة فيحتقر نفسه لأنه فشل.

الله يقول لك اليوم: أنا أريد أن أهبك الحرية من عبودية الموت والخطية ومن نظام الناموس، الذي يؤدي إلى فشلك، فأنت لا تعرف أن ترضيني من نفسك، لكن لو سمحت لروحي القدوس أن يقودك، سيجعلك ترضيني.

” وَإِنْ كَانَ رُوحُ ٱلَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَٱلَّذِي أَقَامَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ ٱلْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ ٱلسَّاكِنِ فِيكُم” (رومية 8: 11). قوة القيامة العاملة في يسوع هي قوة الروح القدس فهو روح الحياة. فيقول إذا كان روح يسوع موجوداً فيَّ، وأنا ميت بالخطية وميت بالبعد عن الله وميت بأمور العالم، سأقوم مثل يسوع. إذاً فمن فيه روح الله لا يمكن أن يغلبه الموت.

لِأَنّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ” (رومية 8 : 13)، الحياة حسب الجسد هي أن يكون الإنسان مستعبداً لأمور العالم، فنحن نريد أن نحقق ذواتنا بالأنانية وبالماديات، فيكون هذا مصدر حياتنا، أو نحقق ذواتنا بالشهوة فيتحول الأكل أو الجنس وسائر الأمور إلى شهوة، وأعتقد أنه بدون ذلك أني سأموت نفسياً أو جسدياً. الله يقدم للإنسان وضعاً آخر ينهى السلوك بالجسد وذلك بأن يحيا الإنسان بالروح، وأن يكون روح الله العامل فيه هو مصدر الحياة والفرح واللذة وتحقيق الكيان، وهو من يضمن أبديته، فيجعله إنساناً روحانياً، مع إنه يعيش بجسد بيولوجي.
الله يريدنا أن نتغير ونعيش حياة الفرح، الله يريد أن يعبر بنا هذه الحياة بالروح.
فلكي نرضي الله يجب أن نسلك بالروح.

إن الأمر الذي قد يكون بالنسبة لشخص ما عادي مقبول، من الممكن أن يكون بالنسبة لي لا يليق، مع أنه ليس بخطية صريحة. لكن يأتي روح الله ويقول لي بخصوص هذا الأمر: لا تفعل ذلك لأنه سيعطلك عن السير معي، فالله سيعطيك توجيه خاص جداً وتفصيلي، وهذا هو السلوك بالروح. فالحياة مع الله والسلوك بالروح ليس عبارة عن قائمة محظورات أو أمور مباحة، لكنها أمور دقيقة جداً الله يعملها في قلب الإنسان.

الله يريد أن يطمئنا، فإن كنا نقع في خطية أو نذل ونتوه فذلك ليس معناه أننا خارج المسيح، وأن روح الله فارقنا، وليس معناه أننا لسنا روحانيين. إبليس يكذب علينا ويشتكي ويقول: أنتم لستم أولاد الله. ولكن ذلك ليس صحيحاً، فنحن ما دمنا مستمرين في توبتنا وروح الله يبكتنا، وحتى إذا وقعنا أكثر من مرة في الخطية. ولكن هذا ليس معناه أن نستبيح الخطية. نحن لا زلنا نمشي طريق توبتنا ونحن في المسيح وفينا روح الله. وإذا جاء إبليس ليشتكي على إخوتنا ويقول: أنهم خطاة وليسوا أولاد الله، فهذا أيضاً كذب ويجب أن نرفضه فهم أيضاً يسيرون في الطريق، ومن الممكن أن يخطئوا، لكنهم يتوبوا ويرفضوا الخطية ويحاولوا.

فلا يصح بعدما قال المسيح لا دينونة، أن أُدين نفسي أو الآخرين. الله يريد أن يعتقنا ويحررنا.

الله يدعونا إلى الحرية في الروح، فكل تعب وألم وضيق وشكاية سينتهي عندما نتمسك بروح الله.

الخلاصة:

إذا كان الإنسان يريد الجهاد في الحياة الروحية، فعليه أن يجاهد ليسمع صوت الله ويمتلأ من روحه. وبدون رجاء القيامة لا يستطيع أن يكمل المسيرة. ولو لم تكن هناك بداخلي همسات الروح القدس ويكلمني ويقول لي: سأغيرك لا أستطيع أن أكمل المسيرة. وكل جهاد بذراعي لا يُجدي، فجهاد الإنسان يجب أن يكون للعطش وطلب الروح القدس.

  • رأينا كيف كانت الكنيسة قبل يوم الخمسين، كيف كانت تجاهد وتصلي في طلب الروح القدس وتتمسك بهذه الطلبة الواحدة، لذا انسكب عليهم روح الله، وكل الأعمال التي عملوها فيما بعد كانت نتيجة عمل الروح القدس فيهم.
  • إن كانوا قد ظهروا كقديسين على مستوى حياتهم الشخصية، فهذا كان نتيجة لعمل الروح فيهم.
  • إن كانوا ظهروا كخدام وككارزين عِظام وغيروا شكل العالم كله، فهذا أيضاً نتيجة لعمل روح الله فيهم.

نحن نحتاج أن يكون مركز حياتنا هو الجلسة مع الله، وطلب الامتلاء بالروح القدس، وعندما نمتلأ بروح الله يثمر فينا على مستوى الحياة الشخصية وعلى مستوي الخدمة، وهذا ما سيميت فينا أعمال الجسد، ويحررنا من شكاية إبليس، ويخرجنا من أي حرب روحية غالبين.

إن الإمتلاء من روح الله هو غرض وغاية وهدف، وليس وسيلة، وكل الأمور الجميلة من ثمار الروح ومواهب الروح وحياة القداسة والتغيير والتجديد هذا كله نتيجة. فلا يصلح لنا أن نسير الحياة بطريقة مقلوبة أو نأخذ الطريق من نهايته، بل نكون في حالة جيدة كي نمتلئ بروح الله، لذا رتبت الكنيسة أن تكون معموديتنا وملئنا بالروح في بداية حياتنا الإيمانية.

                                                                                                                                                              شريف مراد

اترك رد