3. كيف أنه بقبول المسيح للروح القدس في المعمودية،
تدفَّق الروح القدس علينا جميعاً:
– ويؤكِّد القديس كيرلس الكبير على أن الابن الوحيد قد صار إنساناً مثلنا متقبِّلاً الروح القدس في بشريته، لكي يجعل نعمة الروح القدس متأصِّلة فيه، حتى يتمكن بذلك من أن يحفظها بثبات وبدون افتراق لكل الطبيعة البشرية، لأننا سنرى، بناءً على البراهين الحكيمة المؤيَّدة بأقوال الكتب الإلهية، أن المسيح لم يقبل الروح لنفسه هو، بل بالحري لنا نحن فيه، لأن جميع الخيرات إنما بواسطته تتدفَّق نحونا نحن أيضاً.
فنظراً لأن آدم أبانا الأول لمَّا تحوَّل بالغواية إلى المعصية والخطية لم يحفظ نعمة الروح، وبذلك فقدت أيضاً الطبيعة كلها فيه عطية الله الصالحة؛ كان لابد أن الله الكلمة الذي لا يعرف التغيير أن يصير إنساناً، لكي إذ يقبل العطية بصفته إنساناً يحتفظ بها بثبات (بدون تغيير) للطبيعة كلها.
فإنَّ واضع المزامير الإلهية يشرح لنا هو نفسه هذه الأسرار قائلاً للابن: «أحببتَ البر وأبغضتَ الإثم، فلذلك مسحك الله إلهك بزيت البهجة أفضل من رفقائك» (مز 45: 7)، فهو يقول: حيث إنك تحب دائماً البر لأنك بارٌّ أنت يا الله ولا تستطيع أبداً أن تتحوَّل عن ذلك؛ وحيث تبغض دائماً الإثم، لأن بغضة الشر شيء طبيعي فيك بصفتك الإله محب الصلاح، لذلك فقد مسحك الله الآب لأنك أنت الذي تقتني البر غير المتغيِّر كامتياز لطبيعتك الخاصة، ولا تستطيع أبداً أن تتحوَّل إلى الإثم الذي لا تعرفه. وهكذا فإنك بلا شك تحتفظ في نفسك للطبيعة البشرية بالمسحة المقدسة التي مسحك بها الله الآب التي هي الروح القدس، لما صرتَ إنساناً.
فقد صار الابن الوحيد، إذن، إنساناً مثلنا، لكي إذ يستعيد من جديد في نفسه أولاً الخيرات الصالحة، ويجعل نعمة الروح متأصِّلة من جديد ومنغرسة فيه؛ يتمكَّن بذلك أن يحفظها بثبات وبعدم تغيير لكل طبيعتنا. وكأن اللوغوس الوحيد المولود من الله الآب قد أعارنا عدم تغيير طبيعته الخاصة.
فإنَّ طبيعة الإنسان قد حُكِمَ عليها في آدم أنها عاجزة عن الثبات ومتحوِّلة بكل سهولة إلى السوء. فكما إنه بتحوُّل الإنسان الأول قد اجتاز فقدان الخيرات الصالحة إلى سائر طبيعتنا؛ هكذا أيضاً أعتقد أنه بواسطة ذاك الذي لا يعرف التغيير سيُعاد اقتناء العطايا الإلهية بثبات لسائر جنسنا.
وإن كان يبدو لأحد أننا نتكلَّم ونفكِّر ليس بحسب الصواب، فليقُل لنا: لماذا دُعِيَ مخلِّصنا في الكتب الإلهية ”آدم الثاني“؟
فإن الجنس البشري في آدم الأول خرج من العدم إلى الوجود، وبعد ذلك فسد لأنه تعدَّى الناموس الإلهي؛ ثم في المسيح، آدم الثاني، قد أُقيم الجنس البشري من جديد لبداية ثانية، وأُعيد تشكيله لحياة جديدة يستعيد بها عدم الفساد، لأنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، كما يقول بولس (2كو 5: 17). فقد أُعطِيَ لنا روح التجديد، أي الروح القدس، ينبوع الحياة الأبدية بعد أن تمجَّد المسيح، أي بعد أن قام ونقض أوجاع الموت، وأظهر نفسه فائقاً لكل فساد وعاش من جديد حاملاً في نفسه كل طبيعتنا بسبب كونه إنساناً وواحداً منَّا.