4. ثمار تجدُّد نعمة حلول الروح القدس على البشرية، في المسيح:
– وفي تفسيره لسفر يوئيل النبي، يشرح معلِّم الكنيسة مرة أخرى كيف تجدَّدت البشرية في المسيح:
+ إن النعمة (أي الروح القدس) المُعطاة أصلاً للإنسان قد فارقته، ولكنها تجدَّدت مرة أخرى في المسيح الذي هو أيضاً آدم الثاني، فكيف صار هذا التجديد؟
إن الابن، من حيث كونه إلهاً ومولوداً من الله بحسب الطبيعة – لأنه حقاً مولود من الله الآب – فإنَّ الروح القدس هو له خاصةً بل فيه ومنه. وأما من حيث إنه صار إنساناً، أي صار مثلنا، فهو يقبله كما من خارج.فقد نزل الروح عليه في هيئة حمامة لما صار مثلنا ولما اعتمد تدبيرياً وكأنه واحدٌ منا. فحينئذ قيل إن روحه الخاص أُعطِيَ له من جديد بسبب بشريته، وهذا بعينه هو الإخلاء.
وبهذا المعنى وليس بغيره ينبغي أن نفهم ما قيل: «إنه من أجلنا افتقر وهو غني، لكي نستغني نحن بفقره» (2كو 8: 9).
فإن الروح – كما قلتَ – قد أُعطِيَ لآدم في البدء غير أنه لم يستقر في طبيعة الإنسان، لأن آدم غاص في الضلال وزلَّ في الخطية، ولكن لما افتقر الابن الوحيد، وهو غنيٌّ، وصار إنساناً معنا وقَبِلَ روحه الخاص وكأنه يأتيه من خارج؛ حينئذ استقرَّ الروح عليه، كما يقول ذلك يوحنا الإنجيلي (يو 1: 33،32)، وذلك حتى يسكن الروح فينا نحن أيضاً، من حيث إنه استقرَّ على الباكورة الثانية لجنسنا – أي على المسيح – الذي دُعِيَ أيضاً لهذا السبب ”آدم الثاني“. لذلك فقد تجدَّدت أعماقنا إلى حالة أفضل بلا قياس، وربحنا الولادة الجديدة من الروح الفائق الصلاح، إذ لم تَعُد لنا بعد الولادة الأولى الجسدية التي للفساد والخطية – لأن اهتمام الجسد هو موت بحسب الطبيعة – بل صارت لنا الولادة الثانية الفوقانية التي من الله بالروح، إن كان حقاً ما كُتب: «الذين ليسوا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، لكن من الله وُلدوا» (يو 1: 13)(4).
فهـو يـريد بكل ذلك أن تتجدَّد طبيعة الإنسان بواسطة شركة الروح القدس، وكأنها تُعجن من جديد على صورتها الأولى (التي هي صورة الله).
وهكذا حينما نلبس من جديد هذه النعمة الأولى، ونتشكَّل من جديد على صورة الله؛ نوجَد قادرين على أن نغلب الخطية السائدة في هذا العالم، ونلتصق بالحب الإلهي وحده، ساعين بكل جهدنا نحو الأشياء الصالحة، ورافعين أذهاننا فوق الشهوات الجسدية.
وبذلك نحفظ بهاء صورته المغروسة فينا بدون تشويه، لأن هذه هي الحياة الروحية، وهذا هو معنى العبادة بالروح.