يناير 23, 2022 سر التجسد الإلهى  من هو يسوع؟ (2)

سر التجسد الإلهى من هو يسوع؟ (2)

في المقال السابق من هو يسوع؟ (1) خلصنا إلى:

معنى الطبيعة أو ماهية الشخص، وقلنا أن هناك فرقاً بين ماهية الشخص وهويته. فالماهية هى صفاته أما الهوية فتعرفنا شخصه. فحين أتعرض بالكلام عن شخص معين وأقول عنه أنه إنسان فهذا يعنى أنه يمتلك الصفات الإنسانية التى يشترك بها مع جميع  البشر. لكن حين أخص بالكلام عنه أن اسمه كذا فهذا معناه أنني نتكلم عن هويته.

ولقد خضنا في هذه المفاهيم لكي نجاوب على أهم سؤال يشغل حياتنا الإيمانية ويخص خلاصنا وهو: من هو يسوع؟

وقلنا عن طبيعة الابن المتجسد (ماهيته) أنها طبيعة إلهية متحدة بطبيعة بشرية (نفس وجسد بشريين). ولكن هذا التعريف لم يعطِ إجابة عن من هو يسوع ؟ ولكن أجاب عن مما يتكون يسوع. فالبعض قال أن يسوع نصفه إنسان ونصفه إله، وأخرون قالوا أنه إله كامل وإنسان كامل، وآخرون اكتفوا بأنه الله.

  لكن ما هو التعريف الذي تقدمه كنيستنا لتعرفنا من هو يسوع؟

القديس كيرلس الكبير بابا الإسكندرية الرابع والعشرون في مجمع أفسس وأثناء مقاومته لبدعة نسطور قال: أن نسطور سوف يفسد الإيمان والكنيسة، لأنه يقسم يسوع إلى إله وإنسان إلى طبيعة إلهية وطبيعة بشرية. وقدم  القديس كيرلس صيغة عن من هو يسوع ؟

 قال إن يسوع هو: (طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد).

هذا التعريف أو المعادلة تسمى الكرستولوجيكال فورملا. أو المعادلة الكرستولوجية وهي تشرح لنا من هو يسوع، وقد استلمت من القديس كيرلس جميع كنائس العالم هذا التعريف في ذلك الوقت.  

فهل هذه المعادلة تقدم لنا تعريف عن من هو يسوع؟ نعم لأنها تقول لنا أن شخص يسوع هو الكلمة المتجسد.

يقول القديس كيرلس: أن التجسد هو فعل تحرك من شخص الكلمة حين قرر أن يتجسد، وليس فقط إلتحام بين طبيعتين.

وأيضا تخبرنا هذة المعادلة أن الكلمة المتجسد شخص محدد، وكل عمل يقوم به هذا الشخص هوعمل للشخص الواحد. أى أننا لايمكن أن نقسم عمل يسوع إلى: هذا عمل للاهوت وذاك عمل للناسوت، وإلا نكون قد قسمنا المسيح. لذلك حين يسأل البعض عن:

 من هو الذي مات على الصليب اللاهوت أم الناسوت؟

 من هو الذي مشى على المياه اللاهوت أم الناسوت؟

 من هو الذي بكى عند قبر لعازر اللاهوت أم الناسوت؟

نقول له كما قالها القديس كيرلس الكبير أن هذه الأسئلة غير صحيحة لأنها جميعها تقسم الشخص الواحد يسوع (الله الكلمة المتجسد). فيسوع الله الكلمة المتجسد هو الذي مات على الصليب، وهو الذي بكى عند قبر لعازر، وهو الذي مشى على المياه.

وكانت هذه الإجابات التى قالها القديس كيرلس، هى نفسها التى أجاب بها نسطور في مجمع أفسس حين سأل نفس الأسئلة، حين حاول نسطور أن يلغى بها اتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح اتحاداً حقيقياً، وقال: من يؤمن بذلك الاتحاد يقول لى هل يموت اللاهوت؟ وهل يؤكل اللاهوت؟

 وإلى الآن يسألون: هل نتناول اللاهوت أم الناسوت في الإفخارستيا؟

فنجيب فوراً أن السؤال غير صحيح. لأن يسوع لايقسم إلى لاهوت وناسوت بل هو شخص واحد بعينه هو(الله الكلمة المتجسد). وهو الذي نأكله من على المذبح في سر الإفخارستيا الذي من خلاله نتحد بشخصه العجيب. فكان القديس كيرلس يجاوب بمثل هذه الرد على كل سؤال من هذه النوعية.

وهل فهم هذه الحقيقة تصنع معنا فرقاً ؟

 نعم تصنع فرقاً، فعندما نسأل “لماذا تجسد الابن؟”

 نعرف أنه تجسد لكي يوحدنا بالثالوث، فحين اتحد الابن بنا في التجسد صرنا متحدين بالثالوث، لأنه هو في الآب والروح القدس. وهذا هو الغرض والهدف من تجسد الكلمة.

فلم يكن هدف الكلمة من التجسد أن يُرجعنا إلى الحالة الأولى التى خلق الله عليها آدم فقط، أي إلى حالة آدم قبل السقوط، أو لكي يسدد عنا عقوبة يرضي بها الآب فقط، بل بالأساس لكي يوحدنا بالثالوث.

وبالعودة لمفهوم الشخص نجد أن الوحيد الذي يحيا كشخص حقيقي هو الثالوث (الآب والابن والروح القدس). أى أن الثالوث هو الوحيد القادر أن يحيا الحياة الشخصانية، في حياة شركة حقيقية مع الآخر. فيها بذل الحب، وعدم الأفضلية، وعلاقات شركة دائمة منذ الأزل إلى الأبد.

أما الإنسان فقد خلقه الله كمشروع “شخص”، أي خلقه لكي يكون شخصاً مُعَدأ لهذه الشركة، فالله يعده بإمكانيات وقدرات حتى يكون قادراً على تحقيق هذه الشركة في الوقت المعين. وهذه الإمكانية هي الصورة الإلهية في الإنسان.

فإذا دخل الإنسان في شركة مع الابن، الذي هو شخص حقيقي فإنه يستطيع أن يعيش بالحقيقة كشخص مع الله الآب، ويستطيع أن يعيش كشخص حقيقي مع أي إنسان آخر.

إذا حين أتقابل مع الله مقابلة حقيقية، وأدخل في شركة حقيقية معه، يحقق في القدرة على أن أعيش كشخص مع الآخر، لأني متحد بالله الذي هو الوحيد بالحقيقة شخص.

     لكن كيف كان يعيش الإنسان قبل التجسد ؟

قبل التجسد كان الإنسان يعيش كفرد رغم أنه يمتلك الصورة الإلهية التى تؤهله أن يعيش كشخص ولكن لكي يتحقق هذا يجب أن يدخل في شركة حقيقية مع الثالوث.                         

يجب أن ننتبه جداً إلى: أنه إذا إقتصر تعاملى مع الله على أنه الله وفقط، أى أنه مجرد إله قوي وكلي السلطان ومحب ويجب علىَّ الخضوع له وإرضائه فقط، ولم ألتقط الإعلان الإلهى أن كل أقنوم في الثالوث يعيش كشخص، وأنني في المسيح أتحول إلى إنسان شخصانى كى أعيش الشركة مع الله والإنسان فإنني أظل فرداً.

لقد أُعلن لنا هذا الإعلان في معمودية السيد المسيح، فشخص الابن في نهر الأردن، وشخص الآب من السماء يقول هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، وشخص الروح القدس يظهر في المشهد على هيئة حمامة. هذا المشهد أعلن لنا عن حياة الشركة والحب بين الثلاثة أقانيم.

وفي سفر الرؤيا يقول من يغلب سأعطيه حصاة جديدة بيضاء، يقصد هنا أن الله سيعطى من يغلب بطاقة شخصية جديدة، فالمقصود “بالحصاة” هو شريحة رخام مكتوب عليها اسمه. فالله سيعطينا اسما جديداً، أى هوية جديدة، أى كياناً شخصانياً منبعه الصلة التى بينى وبين القدوس. فهذا الرابط بينى وبين الله هو الذي ينشئ في نظام الحياة الشخصاني، فأحيا في تفاعل وشركة مع الآخر، فلا أعيش لأجل نفسي، بل لأجل الآخر، وهذا لم يكن ممكناً قبل التجسد.

فاتحاد الخالق بالمخلوق مستحيل أن يقوم به المخلوق بنفسه. لايمكن لغير المحدود أن يعبر إلى المحدود لأن الهوة واسعة بينهما. فمن أجل ذلك أخلى الابن نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. أخلى نفسه لكي يعرفنا بالآب وبشخصه، ولكي يتحد بنا فنستقبل الروح القدس يوم الخمسين.

أما طرح التساؤلات التى تقسم الشخص الواحد الله الكلمة المتجسد، فهى تساؤلات غير صحيحة مهما كان من هو الذي يطرحها. ويكون فكره من ناحية التجسد غير سليم.

إن نتائج التجسد الإلهى لا يمكن حصرها، لكن هنا نركزعلى مفهوم الهوية أى الشخص، نركزعلى من هو يسوع؟ لكي يكون معروفاً لي عندما أكلمه، وأعرف من هو بالنسبة لي. وهذا كله له عائد على حياتي الإيمانية وعلى علاقتي بالله والآخرين.

ولكن يجب أن ننتبه إلى أن كل ماقلناه غير كافٍ لعمل تغيير جذري في حياتي، ولكنه فقط يشير على احتياج ضروري يجب أن اسعى لإمتلاكة، فهو أمر فائق لا أستطيع الحصول عليه بقدرتي، ولكن الله هو القادر أن يحققه في حياتي شرط أن أطلبه منه، لأنه هو حققه أولا في نفسه بالتجسد.

ويتم في مجال عمل الروح القدس في الإنسان. وأين نجد مجال عمل الروح القدس؟

نجده في الصلاة، وفي جميع وسائط النعمة، وفي كل وقت يتكلم فيه الروح القدس داخل قلب الإنسان ويصنع فيه أمراً جديداً.

وكلما تقابلت مع الله يتفعّل فيَّ هذا الإتحاد، وينقلني نقلات روحية (من مجد إلى مجد). وأتحول إلى نظام الحياة الشخصانى: الشركة مع الآخر، الحياة البازلة، الذي فيه الإنسان يفضل الآخرين على نفسه، فتكون الأولوية في حياتي لمن حولي وليس لنفسي، وحتى حينما أطلب بركات روحية أطلبها للآخر.

أما حين أركز في حياتي الروحية على مكاسبي الشخصية فهذا ليس له علاقة بحياة الشركة المسيحية. وبالعموم فإن كل تفكير في الحصول على مكاسب للنفس، ولا أقدم فيه الآخر على نفسي هو تفكير غير مسيحي. فاتحادنا بالله يخلق فينا منهج حياتي جديد.

                                          آمين

اترك رد