لقد ظهر المجتمع الأول من تلاميذ المسيح فى التاريخ تحت إسم ” إكليسـيا “، ومن خلال هذه الكلمة أعلنت الكنيسة عن هويتها وحقيقتها .
إكليســـيا أصلها فى اللغة اليونانية : “ينادى أو يدعـو”، وتعنى التجمـــــع الذى هو نتيجة نداء أو دعـوة . هى جمع أو حشد الذين دعيوا.
كان لتلاميذ المسيح الأوائل وعى بأنهم مدعـوين أن يجتمعوا فى وحدة – إلى”إكليسـيا” لا ليكونوا مُخلصين إلى “ديـن” جديد، ولا مؤيدين لأيدلوجية جديدة أو تعليم إجتماعى.فلم يكن ما وحدهم هو إستقبال بعض المسلمات أو المبادئ النظرية، ولكن ما وحدهم هو إستقبال الدعوة التى غيرت حياتهم تغييراً جذرياً، لقـد حولت الأفراد أو الكيانات المنفصلة إلى جسد واحد هـو” الكنيسـة” .
إن تجمعهم معاً لا يستنفذ فى إجتماع بسيط، فهو ليس مجرد حدث عادى عابر … إنهم يحيون ككنيسة، بحياة واحـدة، يشتركون فى الحياة “كأخـوة”ــ بالضبط كما يستمد الإخوة الوجود من رحم واحد ــ هم أعضاء فى ” جســد” عضوى حـى .
لقد عَبر شعب إسرائيل ــ فى تاريخهم ــ عن وعى ذاتى مماثل…. فهم لم يمثلوا “ديناً” أيضا، كونه هو الأصح والأفضل عن باقى الأديان. لكنهم كانوا قبل كل شئ “شعباً مدعواً” أناس قد دعاهم “الإله الحى” والذى إختبروه على مدى تاريخهم إختباراً مباشراً لكى يقوموا بمهمة محددة . لم تكن الثقة النظرية أو المعتقدات الدينية بل دعوة الله هى التى جمعتهم ووحدتهم من قبائل إسرائيل الإثنا عشر إلى شعب واحد مختار، ملتزم بعلاقته مع الله “بعهـد”. هذا الوعى يعبر عنه بكلمة ” المجمـع” والتى تشير إلى جمع الإسرائليين،
“فالمجمع” هو أيضا مثل “إكليســيا” يترجما نفس اللفظ العبرى
” قاهال”، وتم التمييز بين اللفظين نظرياً فقط عندما إختار تلاميذ المسيح اللفظ الثانى ليدلل على إجتماعهم، وجاعلين الأول مختصاً باليهود حصراً .
“الكنيســة” هى أيضاً شعب واحد مختار “إسرائيل الجديـد” لها مهمة تاريخية جديدة: هى أن تعلن للعالم علاقة الله الجديدة مع البشرية ” فى يسوع المسيح “.
إن وحدة “شعب الله” الجديد غير معتمدة بالمرة على الروابط القبلية، بل على النقيض هى مجتمع مفتوح لكل الأمم .
هذه الوحدة مؤسسة على “عهـد” جديد مع الله، ومختومة بدم تقدمة المسيح على الصليب. إن إشتراكك مع هذا الشعب ووجودك كعضو فى جسد الكنيسة، فهو يعنى قبولك “العهـد الجديد”، وهو فعل يعنى “كسر الخبـز”، و”مباركة الكأس”، إنه إشتراكك فى الوليمة الإفخارستية.
يبدو أن أناس كثيرين فى زماننا قد نسوا هذه الحقيقة التى تُعرِف وتُعبِر عن الكنيسة . الكنيســـــة هى إجتماع فى الوليمة الافخارستية ، إنها ليست مؤسسة أو هيئة دينية ، ولا هيكل نظامى ، ليست مبانى ومكاتب ولا ترتيبات إدارية … إنها شعب اللــــه المجتَمِع على ” كسر الخبز ” ، ” ومباركة الكأس ” … هي أولاد الله الذين كانوا مشتتين والأن قد جُمعوا فى وحدانية الحياة في جسد المسيح : ” ليجمع ابناء الله المتفرقين الى واحد ” (يو 11: 52 ) . فى سفر أعمال الرسل أول تسجيل عن هذا التأسيس الأول الذى يصنع ويُكوِن الكنيســــة : هؤلاء الذين امنوا بوعظ الرسل ، مجتمعين ويواظبون على تعليم الرسل ، والشركة وكسر الخبز ( أع 2 : 42) ” وجميع الذين آمنوا كانوا معا ، وكانوا كل يوم يواظبون فى الهيكل بنفس واحدة . وإذ هم يكسرون الخبز فى البيوت ، كانوا يتناولون الطعام بإبتهاج وبساطة قلب “( اع 2 : 44-46 ).