سبتمبر 24, 2014 الكنيســـــــــــــــة:       2 – الوليمـــــة الفصحيــــــة

الكنيســـــــــــــــة: 2 – الوليمـــــة الفصحيــــــة

   وليمة الإفخارستيا هى التى تُكَوِنْ الكنيســة، وتكشف لنا أنها ليست مؤسسة من الجانب النظرى.

   فالوليمة الإفخارستية هى نتيجة وإمتداد لوليمة الفصح الخاصة باليهود. “فالفصح” يعنى بالنسبة لليهود: العبــور. لقد كان أعظم إحتفال فى العام، تذكار عبور البحـر الأحمـر، الإحتفال بخلاص إسرائيل من العبودية للفراعنة، ومن أسرهم فى مصر. ففى كل سنة ــ فى ليلة العيد ــ فى المساء، تجتمع العائلة اليهودية فى عشاء إحتفالى. وفى وقت ما من هذا العشاء، يقوم أكبر أعضاء العائلة بأخذ كأس الخمر فى يده ليعلن ” نخب”، أى صلاة شكر لله ــ ( والشكر باليونانية معناه إفخارستيا ). لقد كان اليهود يشكرون الله على ما أعطاه ووعد به آباء إسرائيل وكل شعبهم، وبالأخص عبور البحر الأحمر المعجزى وخلاصهم من المصريين.

 فكان كبير العائلة يشرب أولاً من الكأس ثم يمرره من يد إلى يد حتى يشترك كل من حوله بهذه الطريقة فى ” الشــــكر”.

   لقد إحتفل المسيح بهذه الوليمة الفصحية اليهودية مع تلاميذه فى الليلة التى كان مزمع أن يسلم نفسه فيها إلى موت الصليب، فى العلية فى أورشليم. ولكن لم يكن الإحتفال هذه المرة من أجل إحياء ذكرى العهد القديم بين الله وشعبه، بل أعطى المسيح معنىً جديداً لوليمة الفصح، ومحتوى العهد الجديد.

   الآن لم يعد “الفصـح” هو فقط عبور الشعب من الأسر إلى الحرية، بل هو عبور الجنس البشري من الموت إلى الحياة .

ففى “جسـد” المسيح وفي “دمـه” نُقِضَ حائط العداوة المتوسط  بين المخلوق (الإنسان) والغير مخلوق (الله).  الآن  أصبح للمخلوق أن يوجد بحسب الغير مخلوق، بطريقة “الحياة الحقيقية”.

   إن جسد المسيح ودمه هما خليقة، ولكنهما ليسا الخليقة التى فى عصيان الوجود الذاتي(كأدم الأول). بل هما الوجود المخلوق المستمد من الله والمقدم إليه كقربان، كتأكيد علي الشكر لحب الآب المانح الحياة. إن طعام العشاء الإفخارستي في الكنيسة – الخبز والخمر –  هما أيضا خليقة مستمدة من ومقدمة إلي الله، بحسب مثال نمط وجود جسد المسيح. فالكنيسة تستقبل الخليقة من خلال الخبز والخمر وتقدمهم كقربان إلي الله. تستمد وتقدم حياة المخلوق من و إلى مشيئة محبة الآب وتقدم شكرها لأنه أصبح لها أن توجد بحسب نمط وجود المسيح .

   “أصنعوا هذا لذكري” قالها المسيح لتلاميذه وهم يشتركون في الخبز والخمر في ليلة “العشاء الأخير” والتذكار في الكتاب المقدس يعني ليس ببساطة الرجوع بالذاكرة إلي أمر ما من الأحداث السالفة، بل إلى إحياء وتجديد علاقة و حادثة حياتية (ومعاشة). إن شركة الخبز والخمر في الإفخارستيا هى إحياء وتجديد العلاقة مع الغير مخلوق والتي تحققت فى ” جسد ودم المسيح “.

   إن الخبز والخمر فى الإفخارستيا ليسا طعام عديم الحياة يستخدم لتغذية وإعاشة الفرد الفانى، بل هما الخليقة التى تتصل بالله وتٌستقبل منه كعلاقة مانحة للحياة مع الآب، هما بالضبط ما يُخلق فىَ وحدة مع حياة الغير مخلوق “جسد”،”ودم” المسيح، وما يؤكد ذلك قول المسيح: “خذوا، كلوا هذا هو جسدي.. أشربوا منها كلكم، هذا هو دمي”.

 

 

اترك رد