الكنيسـة وليمة، هي مأكل ومشرب … فالأكل والشرب هما أساس حياة الإنسان، هما الطريقة التي يكون بها للإنسان نصيب في الحياة، إن تشوه الحياة ودخول الموت إلي العالم حدث أيضا من خلال الأكل، الأكل من ثمرة ” شجرة الخير والشر”.
لقد فصل الإنسان الأول الحصول علي الغذاء ( إمكانية الحياة ) عن الشركة والعلاقة مع الله، و فضل أن يحصل علي الغذاء بنفسه و لنفسه وحده (لا مما قدمه له الله)، ليضمن إستمراريته الفردية، لقد أراد أن يدرك الحياة ليس كشركة وعلاقة، لكن كبقاء لطبيعة فردية وذاتية الوجود .
فى وليمة الإفخارستيا تُحقق الكنيسة مدخلاً إلي الحياة يتضاد جذرياً مع ما سبق. فالكنيسة تأخذ الغذاء ليس في إطار أنه من متطلبات الحياة للفرد، لكن لكي تدرك الحياة علي أنها مستمدة من الله وأنها الشركة معه. هذا التغير في منهج الحصول علي الحياة ليس هو ببساطة طاعة أخلاقية للوصايا، ولا سمو المشاعر ولا إختبار صوفي، بل هو الأكل والشرب الذي يتحول إلي الإشتراك في الحياة القائمة علي المحبة، إلي رفض العصيان القائم علي الوجود الذاتي (كآدم الأول) … إن اشتراكنا في وجبة الإفخارستيـا هو شركة مع إخوتنا ومع الله – فنحن نتصل في الحياة، ونقبل أن نوجد فقط عن طريق أن نٌُحِبْ وأن نُحَبْ. لذلك فإن الإفخارستيا الكنسية (أي الجامعة) ثبت إنها صورة وإظهار لنمط الوجـود الثالـوثي، هي إعلان عن ” الحياة الحقيقية “، إعلان عن” ملكوت الله “.
لذلك فإن الإفخارستيا ـ وهي إعلان عن ملكوت الله ـ تتخطي كل الإنجازات البشرية الممكنة. هي عطية، تعبير عن النعمة، وهى إعادة تشكيل الحياة، تجديد إمكانيات الحياة، فالهبة قد أُعطيت وتُعطَي لنا في ” جسـد ودم ” المسيح،وذلك بالإتحاد الحقيقي بين المخلوق والغير مخلوق. لكن وجودنا نفسه، وحتى غيرية أشخاصنا ليست من إنجازنا، لكنها هبة، وهكذا أيضا جعل حياتنا الفانية عديمة الفساد، وتغيير نمط وجودنا.
إن روح الله القدوس هو أصل وقوة منْح الحياة، فهو يهب الوجود، يُنْشِأ أقنومنا الشخصِي كتلبية وجودية لدعوة حبه الملتهب، وهو يجدد خلقتنا صانعاً “الإنسان الجديـد” – إتحاد اللاهوت والناسوت – ” في جسد المسيح ” .
إن تجديد حياة المخلوق بتدخل ” الروح المعزي” هو الأساس المُكَوِن للكنيسة وإشتراكنا فيها …. وعندما نتكلم عن تجديد الحياة، فنحن لا نتكلم عن التقدم الأخلاقي للإنسان، و لا تبرأته من الناحية القانونية، بل نتكلم عن حدث حقيقي كتكوين الحياة نفسها وصنع المخلوق .
إن تعاليم المسيح لتلاميذه أو تكرار وتقليد ” العشـاء الأخير” ليس كافياً لكي يكَوِنْ “الخليقة الجديدة” للكنيسة .. لقد كان ينبغي أن يحل روح الله ـ المانح الحياة ـ علي الإنسان بالضبط كما حل الروح علي العذراء من أجل تجسـد المسيح، هذا التدخل من قبل ” المعزي” الُمكَوِن “للجسد الجديد” هو ما أختبرته الكنيسة في يوم ” الخمسيـن “، وهو يُخْتَبَرْ في كل أفخارستيا في التحول الحي للخبز والخمر ـ أى التحول الحقيقى ـ إلي جسد ودم المسيح … وهو نفس التدخل من قبل روح الله فى بداية إشتراك كل منا في عضوية الكنيسة عند المعمودية .