أكتوبر 9, 2014 الكنيسة : 4- يوم الخمسين

الكنيسة : 4- يوم الخمسين

   بعد قيامة المسيح وصعوده، كان عدد كبير من تلاميذه فى العلية فى أورشليم .

«وكان عدة أسماء معاً نحو مائة وعشرون..وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة» (أع 1 : 14-15 ).

ولكن هذا التجمع لم يكن يُكون بعد (كنيســة) بل كان تجمع لإناس أتوا مع بعضهم بذكريات وآمال مشتركة، إناس خائفون، بلا رؤية واضحة عن ما قد أخلصوا إليه و عن العمل الذى قد دعيوا إليه. وكانوا قبلها بعدة أيام قد سألوا معلمهم إذا كان خلال هذه السنة سيحرر الشعب اليهودى من نير الرومان ويعيد تأسيس مملكة إسرائيل. ويبدو أنه حتى بعد القيامة لم تعلوا توقعاتهم عن الأفكار والطموحات العالمية.

   لقد تغير الناس بتجمعهم هذا تغيراًً جذريًًا بما حدث  يوم الخمسين .

ويحاول القديس لوقا أن يصف لنا إختبار هذا اليوم مستخدماً صوراً تعبيرية مثل: كانوا أيضا “الجميع معاً” – مجتمعين فى العلية الشهيرة فى أورشليم . « وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين ». (أع 2 : 2)

إنه صوت مثل صوت ريح قوية والتى بدت آتية من فوق وملأت كل المكان حيث كان التلاميذ مجتمعين . بالإضافة إلى نوع ما من الإختبار البصرى، وكأن ألسنة منقسمة من نـار إستقرت على التلاميذ المجتمعين،  « وإمتلأ  الجميع من الروح القدس » .  ( أع 2: 4 )

   وإذا كان من الممكن وصف هذه الأحداث بصورة تعبيرية، فإن التحول الذى تم فى التلاميذ“بإمتلائهم” من الروح القدس له علامات محددة جداً على الجميع: « إبتدأوا يتكلمــون بألسنـــة أخـرى» بلغات كل القبائل الذين تجمعوا فى أورشليم لأجل عيد الخمسين، لقد سمع كل منهم لغته من فم التلاميذ.

« فبهت الجميع وتعجبوا» ( أع 2 :7 ). هؤلاء التلاميـذ والذين كانوا مرعوبين حتى هذه اللحظة ، كانوا رجالاً بسطاء غير مثقفين – “غير متعلمين، رجال عاديين” كما يذكر ق. لوقا – إبتدأوا يعظوا الجمع عن أعمال الله العظيمة ” بسهولة وحكمة متكلمين متمرسين جداً.

   والآن أخيـرا عرفوا ما هو الذى وُعٍدُوا به، عَرفوا معنى الأحداث السابقة وبأى منظور عن الحياة سيقوموا بدعوة الناس من خلال وعظهم. لقد دعوهم لكى يعتمدوا حتى يتمكنوا هم أنفسهم من إستقبال “عطية الروح القدس” – ليشتركوا فى يوم الخمسين الذى أصبح متاحاً دائماً.

وجمعوا “الثلاثة آلاف” الذين إعتمدوا فى اليوم الأول إلى مائدة الإفخارستيا – ” لكسر الخبز” . وفى نفس الوقت، ” كانت عجائب وآيات كثيرة تجرى على أيدى الرسل” –  شفاء أمراض،تحرير من تملك عليهم الأرواح النجسة و حتي إقامة الموتي مثل طابيثا.

    إن حـلول الـروح القـدس ليس قدرات سحرية مضافة إلى قدرات الإنسان الطبيعية. بل هــو تحرير لإمكانات الحياة التى ليس فيها غير معقول ولا ” خارق للطبيعة “.

فالروح القدس يحل على طبيعتنا محولاً لا جوهر الطبيعة ( والتى هى طبيعتنا ) بل نمط الوجود، النمط المكون لإقنومنا .

بإستقبالنا لروح الله نتوقف عن أن نستمد أقنومنا من الضرورات البيولوجية التي لا تنتهي، ووجودنا الذاتى الفردى .

و نتحول إلي أن نوجد لأن إرادة محبة الله تمنحنا حيـاة، وتُكوٍن وتُأقنم وجودنا. هذا التحـرر من الضرورات الطبيعية وإنسجام وجودنا مع إرادة الله المانحة الحياة له نتيجة ملموسة فى كل “الآيات والعلامات” التى يذكرها الكتاب ويشير بها الى حياة المسيح والرسل – “الآيات” التى لا تتوقف الكنيسة عن أن تحياها فى أشخاص قديسيها .

فشفاء المرضى، والتكلم بألسنة، والحكمة اللاهوتية وكل موهبة أخرى هى ثمار الولادة الجديدة للإنسان ” فى الروح القدس” .

   بالضبط كما أن مظاهر الحياة فى ولادة الإنسان هى عجيبة ومذهلة، أول نفس و أول صرخة، ولاحقا أول إبتسامة، و أول كلمة يقولها المولود الجديد، بالإضافة للمظاهر البديهية لشخصية هذا المولود .

هكذا أيضاً فإن ثمار ولادة الإنسان ثانية “من الروح القدس” هى مدهشة، ولكنها بديهية. وإذا كانت هذه الثمار لا تكون ظاهرة دائما، فهذا ليس لأن الروح يٍٍُعطى بكميات مختلفة – « لانه ليس بكيل يعطى الله الروح» (يو 3 :34 ).  بل بسبب أن حريتنا تقاوم الموت بطرق مختلفة نوعاً ما .

 

اترك رد