أَخَذَ جسدنا لكي يُجدِّد خلقتنا: وفي ذلك يقول القديس أثناسيوس الرسولي:
” لقد أخذ لنفسه جسداً بشريّاً مخلوقاً، لكي يُجدِّده بصفته هو خالقه، فيؤلِّهه لنفسه، وبذلك يقودنا نحن جميعاً إلى ملكوت السموات بمشابهة ذلك الجسد.”
فما كان الإنسان يتألَّه لو كان اتَّحد بمخلوق، أي لو لم يكن الابن إلهاً حقّاً؛ وما كان الإنسان يدخل إلى حضرة الآب، لو لم يكن الذي لَبِسَ الجسد، هو كلمة الآب الحقيقي بالطبيعة.
فكما أننا ما كنَّا نتحرَّر من الخطية واللعنة لو لم يكن الجسد الذي لَبِسَه الكلمة جسداً بشريّاً بحسب الطبيعة، لأنه إن كان غريباً عنَّا لا يكون شيء مشتركاً بيننا وبينه؛ هكذا ما كان الإنسان يتألَّه لو لم يكن الكلمة الصائر جسداً هو كلمة الآب الخصوصي الحقيقي بحسب الطبيعة. لأجل ذلك قد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يُوحِّد بالذي له طبيعة اللاهوت، ذلك الذي بطبيعته مجرد إنسان، فيصير خلاصه وتأليهه مضمونين.
فبداية خطة الله في تدبير خلاصنا هو التجسُّد. لأن الرب بتجسُّده استطاع أن ينسب لنفسه كل ضعفات الجسد دون أن يخضع لها أو يُغلب منها. وهكذا أمكنه أن يستأصلها منَّا لحسابنا ويُعطينا سرَّ الغلبة عليها إذا ثبتنا فيه وهو فينا.
لذلك نجده يُشبِّه نفسه بالكرمة الحقيقية ونحن الأغصان، ويُنبِّهنا قائلاً: «كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر يُنقِّيه ليأتي بثمر أكثر» (يو 15: 2). ثم يعود فيؤكِّد: «أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير. لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً» (يو 15: 5).
فالرب هو عصارة الحياة الحقيقية فينا، وعلاقتنا به هي علاقة حميمية مثل الدم الذي يجري في عروق الجسد الواحد. لأنه كما أنَّ عصارة الشجرة إذا تعثَّر وصولها إلى غصن من الأغصان، ذبل الغصن وجفَّ ولا يمكن أن يُعطي ثمراً، ومآله السقوط والموت؛ هكذا أي عضو في الجسد إذا لم يصله الدم، أصابه الشلل وتعرَّض للموت.
أما إذا ثبتنا فيه وهو فينا، ودبَّت فينا حياته الإلهية، فسوف ينطبق علينا قول القديس أثناسيوس الرسولي:
” فإنَّ البشر لا يعودون فيما بعد خطاةً ومائتين بحسب أوجاعهم الخاصة، ولكنهم يقومون بقوة اللوغوس ويبقون إلى الأبد غير مائتين وعديمي الفساد! “
مقالات متعلقة