الكلمة صار جسداً
الكلمة صار جسداً مشابهاً لنا فى كل شئ ( ما خلا الخطية) . وقد إستخدم أثناسيوس كلمة “التجسد” التى بها يعنى بإتخاذ الكلمة جسداً، فقد أصبح إنسانا كاملاً آخذاً كل ما لبشريتنا من مشاعر ومعاناة . “وبسبب نعمة إتحادنا بالكلمة ــ التى أخذناها بتجسد الكلمة ــ فقد تحرر الجسد من ضعفه و قابليته للفساد. وحفظت قوة الحياة التى فى الكلمة جسد المخلص من الضعف” . فالمسيح عطش لأن هذه صفة من صفات الجسد الإنسانى، ولكنه لم يفنى من الجوع. فقد إجتاز جسده الألم طوعا وبإرادته. فقد إحتمل الألم وكل شئ من خصائص جسد الإنسان. فقد عطش وبكى وأيضا قبل الموت. ولكن موته كان نتيجة إتضاعه وحبه، حتى وضع نفسه تحت الموت وليس إضطراراً. ” فقد كانت عنده القدرة أن يفصل نفسه عن الجسد والجسد يموت، ولكن لم يبق فى الموت لأن الموت لم يقدر أن يمسكه لأنه قد أصبح هيكلا للحياة “.
لم يكن الكلمة محدوداً ومقيداً بالجسد، ولكنه قد حرر الجسد من محدوديته وميله للخطية. فبقوة الكلمة الثابتة تحولت الطبيعة الإنسانية المتقلبة إلى طبيعة صالحة، وأصبحت كل المغريات والخداعات لا سلطان لها عليه.. “الحكمة الإلهية جعلت الإنسانية تنتعش وعلت وسمت بها تدريجيا فوق طبيعتها، وجعلتها شريكة فى الطبيعة الإلهية. أعمال الابن الكلمة قد تمت، وأُكملت من خلال التجسد. فقد إشترك الجسد أيضا فى أعمال الله، والخليقة فى المسيح أصبحت بلا خطية”.
“الطبيعة الإنسانية فى المسيح كانت ممتلئة بمسحة الروح القدس، وبها قد إستلمنا بصمته ووجوده فى داخلنا ” ولأول مرة تقدس الجسد بالروح القدس. فمنذ أن شاركنا فى جسدنا نحن خلصنا وتجددت حياتنا لأن جسدنا لم يعد ترابى ولكنه شابه الكلمة من خلال الكلمة نفسه الذى أصبح إنساناً من اجل خلاصنا.
إبادة الموت وتجديد الطبيعة
الفداء والخلاص لم يتما فقط بالتجسد، ولكن قد تما أيضاً من خلال حياة السيد المسيح على الأرض. “لقد أظهر الرب محبته للبشرية بطريقتين: بإبادته للموت وبتجديده للطبيعة، وأيضا بإستعلان نفسه من خلال أعماله، ليعلم الجميع أنه كلمة الآب، ورئيس وملك الكون”. فبظهوره المرئى قد أظهر الآب غير المرئى للبشرية التى تركت التأمل فى الإلهيات. وبتنفيذه للناموس قد أزاح عنا لعنته ودينونته. فالفساد لا يمكن أن يَبطل عمله فى الإنسان إلا بالموت، ولذلك كان الهدف الأسمى لعملية الخلاص التى بالتجسد لا يمكن أن تكون إلا بالموت نفسه. لقد إتخذ جسداً لكى يقبل أن يموت، وكان من غير الممكن أن يمنع ويتفادى الموت وإلا ما كان هناك قيامة. ومن خلال هذا العمل قد تم شيئين رائعين وهما: أن موت وفساد الجميع قد حُمل كله على جسد الرب، وطبعا قد أُبيدوا وأُبطلوا لأن هذا جسد إتخذه كلمة الله. لقد قبل الرب الموت ليس عن ضعف، ولكن طوعاً بإرادته من أجل أن يقيمنا جميعا”. فجسد الرب لم يختبر الفساد أى لم يذوقه لأنه كان هو نفسه جسد الحياة. موت الرب كان موتاً حقيقياً ولكنه قصير الوقت. فلم يترك جسده فى هذه الحالة لمدة طويلة، ولكنه قد أرانا موته وبعدها مباشرة أقيم فى اليوم الثالث.
و بهذا قد أظهر علامة النصرة على الموت بإظهاره لجسده بدون فساد وعدم مشاركته فى مرارة الموت. “كل البشرية قد رفعت و قامت فى المسيح”. الرب قام من القبر بجسد مقدس وناقض للموت. لقد أصبح الجسد ممجد وهذه النعمة مُنحت لنا وهذه الرفعة أصبحت لنا. ونحن المشتركين فى الجسد معه قد صار لنا الدخول الى السمويات.
المسيح الإله والإنسان
الكتاب المقدس يخبرنا بحقيقة المخلص، فهو دائما الله، الابن، والكلمة. فالله الكلمة لم يكن يرغب ببساطة أن يتجسد ولا أن يعلن عن نفسه فى جسد . فهو لم ينزل إلى الإنسان ولكنه أصبح إنساناً. فقد جعل نفسه ابن الإنسان. فعلى الرغم من أن أثناسيوس فى بعض الأحيان يستخدم تعبيرات غير دقيقة عن الله الكلمة مثل، “لبس نفسه” أو “يسكن فيه” أو “أنه هيكل أو وكيل” إلا انه يرى بدقة وبوضوح الفرق بين إعلان الكلمة فى المسيح وظهوره وحضوره فى القديسين. المسيح أصبح إنسان. فالجسد السرى للمسيح هو جسد الرب وليس جسد إنسان. لقد جعل جسدنا بكل ضعفاته جسده . فقد تمم المسيح عمله كاملا دون إنفصال بين طبيعته الإلهية وطبيعته الإنسانية، لقد تمم وأكمل كل شئ فى وحدة كاملة بين الطبيعتين.
ويؤكد أثناسيوس حقيقة إتحاد الطبيعتين فى المسيح بدون إمتزاج. فهو الله الإنسان. فالمسيح عنده الطبيعة الإلهية التى بها هو واحد مع الآب فى الجوهر، وأيضاً طبيعة إنسانية التى شابهنا بها فى كل شئ. ولذلك فهو المخلص ، الكلمة، وآدم الثانى بآن واحد.
” المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور”