هذا النجم هو أول من كَرز بالمسيح للأمم من قبل وجود الكنيسة، فدور النجم هنا كان ليخدم المسيح ويخدم خلاص البشر، ودورنا نحن في تمجيد وتعظيم الله مثل النجم مرتبط بإننا نَظهر للأخرين، وأن الناس تصل إلى الله من خلالنا.
تحققت زيارة المجوس للطفل يسوع بعد عامين من ظهور النجم، وذلك وفقاً لما جاء في إنجيل متى عندما تحقق هيرودس منهم عن زمان النجم الذي ظهر لهم “حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرّا، وَتَحَقّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النّجْمِ الّذِي ظَهَرَ” (مت2: 7). فقتل كل أطفال بيت لحم من عمر سنتين فما دون، وذلك ضماناً لقتل يسوع، كما زاد على المكان (بقوله وفي كل تخومها) “حِينَئِذٍ لَمّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصّبْيَانِ الّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ“. (مت2: 16)
فبالنجم استطاع المجوس أن يعرفوا أين المسيح ويعاينوه. هنا دور النجم مهم جداً، إذ به أخذ المجوس خلاص نتيجة المقابلة. فالعلامة هنا أن خلاص المسيح سيجمع البشر من أركان الأرض كلها. وعندما رأى المجوس الطفل الملك أرادوا تكريمه وتعظيمه وتقديم العبادة اللائقة به وهذا ما أظهرته تقديماتهم، والتمجيد واضح فيما قدموه للمسيح من كنوزهم وهي أغلى ما عندهم. فالتمجيد اللائق بالله هو إعلان من هو الله واستعلان حقيقته فالإنسان لا يستطيع أن يزيد شيء على الله ولكنه يكشف حقيقته. حقيقة أن الله صالح وعظيم وقدوس.
النجم في تحقيقه لدوره أصبح بارزاً ملفتاً للعيون وجَذب الأنظار له، ثم حَول الأنظار إلى شخص المسيح وجعلهم يقدمون المجد لله، وهكذا يظهر جلياً استعلان أبناء الله ودورهم في الكرازة وتمجيد الله، واستعلان حقيقة الله. فلولا ظهور النجم بهذا النور الشديد، ما كان يستطيع جذب انتباه المجوس ولا كان يمثل لهم أي شيء، وبهذا المنطق أبناء الله إن لم يسطعوا في وسط العالم فلن يستطيعوا جذب الانتباه لله. “وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدّهُور” (دا 12: 3).
إنه نجم منير عجيب يجذب الانتباه، وعندما جذب انتباه الآخرين، حول الانتباه إلى ابن الله. فإذا اختبأ هذا النجم ولم يقم بدوره لم يتمكن المجوس من معرفة الإله الحقيقي – رغم أن دوره مؤقت- إلا إنه يخدم استعلان الملك العظيم، ثم بعد ذلك يختفي بعد إتمام دوره. هكذا دور أولاد الله هو استعلان مجد الله وحيث وجدوا، هناك يوجد الله، لا ليأخذوا مجد الله بل لإظهار ومعرفه مجده. “أَنَا الرّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ.” (إش 42: 8). أولاد الله لهم دور في توصيل الله للآخرين، فحتماً ستلتفت إليهم العيون ويظهرون جيداً ليعكسوا مجد الله، لا ليستتروا ويختفون، وإلا فإنهم يخفون مجد الله. بالرغم من لفتهم لانتباه الأخرين، إلا انهم متضعون وكل هدفهم إظهار مجد الله- وهذا هو الاتضاع الحقيقي. “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدّامَ النّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجّدُوا أَبَاكُمُ الّذِي فِي السّمَاوَاتِ.” (مت 5: 16).
الاختباء ليس هو الاتضاع، فمن أراد أن يعيش الاتضاع ويغلب الكبرياء يجب أن يُتمم الدور المطلوب منه. فبرغم أن العيون موجهة إليه، إلا إنه يعيش متضعاً معترفاً بنعمة الله ومظهراً عمله في حياته. فيجب لذلك أن نُصارع الكبرياء ونتواجه معه لأنه مرض يجب التوبة عنه. فالكبرياء مرض داخل النفس ومتأصل فيها ويحتاج إلى جراحة. وإن كان المجوس قد اهتدوا إلى المسيح بواسطة دور النجم، فاذا كل منا استعفى عن دوره فكيف يستعلن مجد الله؟