«أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع»
يقول القديس بولس الرسول: «الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح، بالنعمة أنتم مُخلَّصون» (أف 2: 5،4).
لم يكتفِ الرب بأن يُخلي ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً في شِبه الناس؛ بل إنَّ آلامنا حملها وأوجاعنا تحمَّلها، وأطاع حتى الموت، موت الصليب. كل ذلك فعله من أجل بشر خطاة هم صنعة يديه، كان في إمكانه أن يفنيهم ويخلق غيرهم، كما قال الرب لموسى حينما أخطأ الشعب وصنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا له، فقد غضب الرب جداً وقال له: «فالآن اتركني ليَحمَى غضبي عليهم وأفنيهم، فأُصيِّرك شعباً عظيماً» (خر 32: 7-10).
ولكن الله الذي هو غني في الرحمة، بل وأيضاً من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ليس لكوننا مستحقِّين لها، بل وبالرغم من أننا أموات بالخطايا ومستوجبين للموت؛ أحيانا مع المسيح، فمحبته ليست لأجل استحقاقنا بل بموجب نعمته. فنحن بالنعمة مُخلَّصون.
ويصف ذلك الذي عمله المسيح فينا القديس غريغوريوس النيسي قائلاً:
” حيث إنَّ طبيعتنا كانت محتاجة أن تُنتشل بكاملها من الموت، فكأني به يمدُّ يده نحو الإنسان المنطرح وينحني في سبيل ذلك نحو جثتنا، ويقترب إلى هذه الدرجة من الموت، حتى يتلامس هو نفسه مع الموت، فيمنح مبدأ القيامة لطبيعتنا بواسطة جسده الخاص، حتى يُقيم معه الإنسان بكامله بفعل قوته.
وحيث إن جسده البشري الحامل للاَّهوت والمرتفع مع اللاهوت بالقيامة، لم يكن من عجنة أخرى غير عجنتنا؛ فكما يحدث في أيِّ جسم من أجسامنا أن انفعال حاسة واحدة من الجسم ينتشر أثره في الجسم كله المتَّحد بهذا العضو، هكذا قد حدث للطبيعة كلها بصفتها كائناً واحداً حيّاً، أنَّ قيامة الواحد منها (أي الجسد الإلهي الذي من نفس عجنتنا) انتقلت منه إلى الجميع، بسبب اتصال واتحاد الطبيعة كلها حتى امتدَّت (القيامة من الواحد إلى المجموع كله!”
وهكذا أقامنا المسيح معه عندما قام هو من بين الأموات. ولكن الرب حينما قام، قال له الآب: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك» (مز 110: 1). لذلك يُكمل القديس بولس قائلاً: «وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع» (أف 2: 6).
لقد قالها بولس الرسول قبل ذلك باختصار: «أحيانا مع المسيح» (أف 2: 5). وسبق أيضاً وقال: «الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويَّات في المسيح، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قدِّيسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة، إذ سبق فعيَّننا للتبنِّي بيسوع المسيح لنفسه، حسب مسرَّة مشيئته» (أف 1: 3-5).
كما يقول في الرسالة إلى كولوسي: «فإن كنتم قد قُمتُم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالسٌ عن يمين الله» (3: 1).
والرب في صلاته الختامية سأل الآب لأجلنا قائلاً: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24).
فـ «الربُّ قد مَلَكَ، لبس الجلال، لبس الرب القوة، تمنطق بها» (مز 92: 1 سبعينية)، وإذ نحن جسده، من لحمه وعظامه، فمكان جلوسنا معه لأننا فيه وهو فينا؛ وهكذا بقيامته أحيا فينا الرجاء لميراث لا يَفْنَى في السموات. وكما يقول بطرس الرسول: «مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثـانيةً لرجاء حي، بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يَفْنَى ولا يتدنَّس ولا يضمحل، محفوظٌ في السموات لأجلكم» (1بط 1: 4،3).