طبيعة الإنسان الجديد هي من طبيعة المسيح القائم من بين الأموات، روحانية مبرَّرة مؤهَّلة لشركة الحياة الجديدة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح؛ وإذا تنشَّطت بالإنجيل والصلاة، فإنها تؤهَّل للانفتاح لإدراك أسرار الكلمة والإحساس بالحق ومعرفة أسرار الله ومقاصده.
وهي المؤهَّلة بالنعمة التي فيها أن تكون هيكلاً حقيقياً للروح القدس، يسكن فيها ويقودها ويرتاح فيها ويعلِّمها ويكشف لها حقائق المسيح حسب وعد المسيح. وهي مؤهَّلة للرؤى والمناظر والإعلانات عن غير استعداد منها ولا إعداد، بل هي مواهب ممنوحة بلا كيل. وهي التي رآها القديس بولس أنها المؤهَّلة لتكون أعضاءً في جسد المسيح، وهي بالفعل التي تتزيَّن بها الكنيسة في أشخاص أبرارها وقديسيها على ممر الدهور.
وعن طريق طبيعة الإنسان الجديد التي هي من طبيعة المسيح، يؤكِّد بولس الرسول أنها منفتحة على محبة المسيح الكاملة، وبالتالي فهي مستحقة أن تمتلئ بكل ملء الله:
+ “وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله. “(أف 19:3)
وهي معدَّة من الله والمسيح لكي تكون إنساناً واحداً في المسيح يتفاوت في التغيير في الصورة من مجد إلى مجد، ولكن الطبيعة واحدة، فيصبح الجميع واحداً متكاملاً:
+ ” لبنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح. “(أف 12:4و13) فإن كان هذا هو أمرنا الذي ننتهي إليه: اتحاد إلى إنسان كامل له ملء قامة المسيح؛ فانظر، أيها القارئ العزيز، كيف أن محبة بعضنا البعض واجبة، بل هي ضرورة بدونها لا تكمل الصورة!
+ ” بل صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس (لنا جميعاً): المسيح! “(أف 15:4)
ولكن محبة الله أو محبة الآخرين بالجسد العتيق غش وادِّعاء كاذب، لأن المحبة الحقيقية هي وحدها التي تكون من طبيعة الله الذي هو المحبة الحقيقية، والجسد الجديد الروحاني وحده – وليس العتيق – هو الذي له طبيعة المحبة الحقيقية. والمحبة الحقيقية لا تنبع من العاطفة ولا الواجب ولا الشجاعة. فقد يموت حبيب بدافع حبِّه لحبيبته، وقد يموت خادم بدافع من أمانته، وقد يموت جندي بدافع من شجاعته؛ أما الإنسان الروحي الذي يحب، فهو يحب بدافع حبِّه لله ومن أجل الله، مستعدٌ أن ينكر ذاته ويموت، لأن محبة الإنسان الروحي هي من ذات طبيعة محبة الله، وهي امتداد لها وفعلها.
أما الجسد العتيق فهو من دافع عواطفه الخاصة أو بدافع واجبات أو مُثُل إنسانية، يحب ويبذل ويموت من أجل الآخرين، ولا يكون لحبِّه عائد سماوي. أما محبة الإنسان الروحاني فمن طبيعته الروحانية، يستمد حبَّه من الله للآخرين دون أي عائد أو نفع له وخارجاً عن أي دافع غرائزي أو إنساني. لذلك فميزانه الحسَّاس الذي يكشف طبيعته هو الوصية ” أحبوا أعداءكم “.
+ ” ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. “(رو 8:5)
+” ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه. “(رو 10:5)
+ ” الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي. “(غل 20:2)
هذه عينات من المحبة بحسب طبيعة المسيح التي ورثناها منه بالإيمان به والمعمودية باسمه. فإذا سألتني: ما هي علامة الإنسان المسيحي الروحي الحقيقي؟ أقول لك: إنه يحب أعداءه!! ونوع المحبة الحقيقية التي من عمق طبيعة الإنسان الجديد، هي كما يقولها القديس بطرس:
+ ” طهِّروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء، فأحبوا بعضكم بعضاً من قلب (الذي هو الإنسان الجديد) طاهر بشدَّة. مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل ممَّا لا يفنى، بكلمة الله الحيَّة الباقية إلى الأبد. ” (1بط 22:1و23)
أما ذِكره: “عديمة الرياء” فهو لكي يستبعد عواطف وميول الجسد العتيق.