الكنيسة الأرثوذكسية تسمِّي خطية آدم: “الخطية الجدِّية”
إن رؤية آباء الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية ومن بينها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مستقاة من:
1ـ تعليم الإنجيل بحسب النصوص في لغاتها الأصلية المقروءة صحيحاً وجيداً.
2ـ تعليم الآباء القديسين عن الخلاص والأسرار والحياة الأبدية.
3ـ صلوات الليتورجية المعتبرة أنها أقدم ممارسة وتطبيق للعقيدة ولعلم اللاهوت الأرثوذكسى.
ويمكننا أن نلخص هذه الرؤية في النقاط الآتية:
1 – إن آباء الكنيسة المعتبرين أنهم مراجع التعليم المسيحى كانوا يسمُّون خطيئة آدم بخطيئة الأبوين الأولين أو الجدَّين الأولين للبشرية أو اختصاراً الخطية الجِدِّية.
2 – لقد علَّموا ليس بتوريث ذنب آدم للبشر الذي لم يشتركوا فيه، بل بتوريث نتائج وآثار هذه الخطية الجدِّية على الطبيعة البشرية التي يرثها كل مولود امرأة. والمقصود بالطبيعة البشرية الصفات الجوهرية الموروثة والحالة التي انطبعت عليها نتيجة الخطية الجدية وهى: الفساد، وتحلُّل الجسد بعد الموت، والموت، وهو ما يؤثر على وجود الميل إلى الخطية، وهذه يسميها القديس بولس الرسول: “شوكة الخطية”. ولايقبل علم اللاهوت الأرثوذكسى التمادى الذي وضح في تعليم علم اللاهوت الغربي، وبنفس القدر لايعلِّم علم اللاهوت الأرثوذكسى بوجهة النظر الرومانية الكاثوليكية الحديثة التي تصبغ العلاقة بين الله والبشر بالصبغة القانونية العقابية للخطية، والتى تقتصر عليها كتشبيه في وصف وشرح معنى سر الفداء.
شمول تأثير نتيجة الخطيئة الجدية لكل البشر:
إن الخطيئة الجدية ليست هي فقط “حادثة” حدثت من آدم، بل هي في نتائجها مع تبعاتها وآثارها التي انغرست في التوريث الطبيعى للموت للأجيال اللاحقة لآدم. وهكذا يصدق القول بأنه ليس إنسان على الأرض بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض. وهكذا فمن الحَدَث التاريخي للخطية الأولى للإنسان الأول، أتت الحالة الحاضرة للخطية مع كل نتائجها التي اجتازت إلى جميع النسل الطبيعى من آدم.
معنى انتقال آثارها إلى الطبيعة البشرية:
إن انتقال آثار الخطية الجدية بالوراثة الطبيعية يجب أن يُفهم في إطار وحدة الطبيعة البشرية التي يشترك فيها البشر جميعهم. فبهذه الطبيعة الواحدة لكل البشر، هم يكوِّنون كياناً واحداً سرياً ( ميستيكياً Mystical ). ومن حيث أن الطبيعة البشرية غير منقسمة، فإن انتقال آثار الخطية الأولى، أي الموت، من الإنسان الأول إلى طبيعة الجنس البشرى يمكن شرحه كالآتى:
قول للقديس كيرلس الكبير: ” كما أنه من الجذر الواحد ينتقل المرض إلى باقي الشجرة، هكذا آدم باعتباره الجذر الذي أصابه الفساد (أي الموت)- على سفر التكوين 1: 5، وعلى رومية 5: 16 .
(الكنيسة تنظر إلى ما ورثته البشرية من آدم على أنه مرض خطير وهو الموت يستدعى الطبيب الإلهي الشافي. هذا هو أساس التعليم الآبائى الشرقى بخصوص انتقال آثار الخطيئة الجدية).
ويلاحظ القديس كيرلس أن: “الطبيعة البشرية صارت مريضة بالخطية. فبسبب عصيان الإنسان الواحد (الذى هو آدم) فالكثيرون صاروا خطاة، ليس لأنهم تعدَّوا على وصية عدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر مشتركين مع آدم (لأنهم لم يكونوا موجودين بعد)، بل لأنهم من نفس طبيعته التي دخلت تحت سلطان الخطية… لقد صارت الطبيعة البشرية مريضة وخاضعة للفساد أي الموت من خلال تعدِّى آدم، وهكذا دخلت إلى عمق مشاعر الإنسان”- على رومية 5: 18
ويشرح ذلك القديس يوحنا ذهبى الفم بطريقة أخرى:
( ماذا تعنى“صار الكثيرون خطاة” )رو 5: 19؟ إنه يبدو لى أننا مسئولون عن دينونة الجحيم والهلاك (لأن) آدم سقط، ونحن الذين لم نأكل من الشجرة صرنا مائتين بسببه – عظة على رسالة رومية 10 .
إذن، الذي انتقل للبشر من آدم ليس ذَنْبه، بل الأذى الذي أصاب الطبيعة البشرية من جراء هذا الذنب، وهو الموت والذى صار يولد به البشر من بعده.
إن تعليم آباء الكنيسة الأرثوذكسية أننا بالميلاد الأول ورثنا الطبيعة البشرية المريضة بالفساد والموت، وبالتالي حالة الميل إلى الخطية. ويسمى القديس بولس هذه الحالة باسم” ناموس الخطية الكائن في أعضائي ” رومية 7: 23 . لكن بولس الرسول ومعه التعليم الأرثوذكسى يتبع الحديث عن ناموس الخطية بالحديث فوراً عن نعمة برّ المسيح المخلِّصة لجميع الناس (الأصحاح 8 من رسالة رومية)، والتي نلناها من خلال سر المعمودية.
لا يُعاقَب إنسان بسبب ذنب إنسان آخر:
القديس يوحنا ذهبى الفم وهو يدحض أفكار بدعة المانويين يقول:
“فأن يُعاقَبَ إنسان بسبب إنسان آخر، أمر لا يبدو موافقاً للمنطق. ولكن أن يخلص واحد بسبب إنسان آخر، فهذه فكرة منطقية مقبولة بلا أدنى شك”.
والقديس كيرلس الكبير يقول:
“إن عندنا القول الإلهي: لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الأبناء. كل إنسان بخطيته يُقتل ” تثنية 14 : 16. لذلك فقد مرضت الطبيعة بسبب خطية عصيان الإنسان الواحد وهو آدم. وهكذا “جُعل الكثيرون خطاة” ليس لأنهم قد تعدَّوا مع آدم – إذ أنهم لم يكونوا موجودين بعد – بل بسبب أنهم من نفس الطبيعة معه.