سبتمبر 27, 2013 الخطيئة الأصلية  ـــ  توريث ذنب خطية آدم وحواء

الخطيئة الأصلية ـــ توريث ذنب خطية آدم وحواء

لقد وردت تسمية “الخطيئة الأصلية” (وباللغة اللاتينية Peccato Originale) لدى الكنائس الغربية، وأول ما وردت في كتابات القديس أغسطينوس أسقف هبو في القرن الخامس في مقالته بنفس الاسم وذلك لاعتماده على ترجمة لاتينية غير دقيقة لآية رسالة رومية ( 5: 12). كانت اللغة اللاتينية هي لغة القديس أغسطينوس لأن كنيسة شمال أفريقيا كانت تتبع كنيسة روما.
وأما في اللغة اليونانية ــ وهى لغة كتابة الإنجيل، ولغة كتابات آباء الكنائس الأرثوذكسية ــ  فلم يخطئوا في قراءة هذه الآية إطلاقاً، بل كان الآباء الأرثوذكس الأوائل يشيرون إلى خطية أبوينا الأولين باسم “خطية أبينا آدم” أو “خطية الأبوين الأولين”، أو “الخطية الجِدّية” أي خطية جدَّينا الأكبرين: آدم وحواء، دون أن يُنسب لها صفة “الأصلية” التي تعنى في تعليم الكنيسة الغربية: توريث ذنب الخطية الأولى للبشر المنحدرين من آدم وحواء ولكل مولود المرأة إذ يولد وهو مُذنب بخطية آدم بالرغم من عدم اشتراكه فيها طبعاً لأنه لم يكن مولوداً بعد.
ترجمة القديس أغسطينوس لهذه الآية كانت هكذا:
(وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس “لأن في آدم” أخطأ الجميع.) وقد أتت الترجمة اللاتينية المغلوطة لهذه الآية وللحرف اليوناني epho الذي يعنى “إذ” كما فهموها: أن “في آدم” “أخطأ الجميع”، معتبرين أن البشر كلهم “أخطأوا في آدم” فصارت خطيئته الأولى هي خطيئة كل البشر بالرغم من أنهم لم يفعلوها، لكن انتقل ذنبها إليهم بالولادة من أمهاتهم، فأصبحوا جميعاً مذنبين بخطية آدم.
أما النص اليوناني الذي كُتب به الإنجيل وفهمه آباء الكنيسة الأرثوذكسية المتكلمين باليونانية: فترجمته بالعربية في الإنجيل الذي بين أيدينا هكذا: آية 5: 12– وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس “إذ” أو “الذي في الموت” أخطأ الجميع.
أي أن الذي ورثته طبيعتنا البشرية من أبوينا الأولين هو الموت، أما خطايا البشر فهي نابعة من الخوف من الموت، حسب القول: «الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية » (عب 2: 15 ).
فترجمة الكنائس الأرثوذكسية المتكلمة باللغة اليونانية واللغة القبطية تقول:
“إن الموت اجتاز إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع”، لأن الموت بعد السقوط صار سمة الطبيعة البشرية ، والموت هو الذي يُورَّث للطبيعة البشرية. والمسيح وُلد بجسد قابل للموت، ولكن لم يولد بخطية آدم لأن الخطية لا تُورَّث، ولا فعل خطية لأنه شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لأن الخطية غريبة عن الطبيعة البشرية. والخوف من الموت هو الدافع إلى الخطايا والشهوات التي يقع فيها البشر. أما الخطية فهي عمل الإرادة الحرة لكل إنسان، وهي لا تُورَّث، لذلك سيُدان كل إنسان على خطيته الشخصية فقط حسب قول المسيح له المجد: « فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله »(مت 16: 27).
النتائج الخطيرة للتعليم الغربي بتوريث خطيئة آدم إلى كل الجنسالبشري:
– لقد أعلن البابا الروماني بيوس الثاني عشر عقيدة الخطيئة الأصلية في مجمع ترنت (1545 – 1563) لأول مرة في التاريخ كعقيدة كاثوليكية.
إن هذا الفهم الغربي لتوريث خطية آدم لكل البشر أدى بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية إلى مشاكل لاهوتية خطيرة اكتشفها اللاهوتيون الكاثوليك أنفسهم في أنها تمس شخص المسيح وتهدم تدبير الفداء:
إذ اكتشف اللاهوتيون الكاثوليك أنفسهم أن النتيجة المترتبة على التعليم بتوريث ذنب آدم لكل مولود المرأة، أنه في هذه الحالة يكون المسيح قد ورث من أُمه القديسة مريم العذراء ذنب خطية آدم، فيكون موته على الصليب هو بسبب ذنبه الشخصي الذي ورثه من آدم، واكتشفوا أن هذا خطأ لاهوتي فادح إذ تنتفي شمولية الخلاص لكل البشر.
ومن هنا بدأ هؤلاء اللاهوتيون الكاثوليك يعالجون هذا الخطأ فأصدروا تعليماً جديداً هو: الحَبَل بالعذراء القديسة مريم بدون دنس الخطية الأصلية استثناءً من كل البشر، أي أن العذراء القديسة مريم – بحسب هذه العقيدة الكاثوليكية – وُلدت من أبيها القديس يواقيم وأمها القديسة حَنَّه دون أن تكون مُذنبة بخطية آدم حتى يولد منها المسيح بدون خطيئة آدم، وذلك بدون فداء ولا صليب ولا معمودية. وهكذا صححوا الخطأ الأول بخطأ ثانٍ.
– وقد أُعلنت رسمياً عقيدة الحبل بلا دنس الخطيئة الأصلية في 8 ديسمبر 1854 بفم البابا الروماني بيوس التاسع وليس بمجمع كنسي بسبب معارضة بعض اللاهوتيين الكاثوليك لها، بل أعلنها بشخصه باعتباره معصوماً من الخطأ بمقتضى العقيدة الكاثوليكية: “عصمة البابا”.
– فالعقيدتان هما مستحدثتان لم تردا في أي مجمع مسكوني من المجامع التي تؤمن بها الكنائس الأرثوذكسية والتي تحوي مبادئ الإيمان المسيحي الأرثوذكسي. كما انها لا ترد في صلوات أسرار الكنيسة وخاصة “سر المعمودية” 
– أما الطوائف البروتستانتية – وهي نتاج الحركة الإصلاحية التي قامت في ألمانيا عام 1517 م بقيادة الراهب الأوغسطيني الكاثوليكي مارتن لوثر بقصد إصلاح الكنيسة الرومانية الكاثوليكية – فقد ورثت منها العقيدة الكاثوليكية المختصة بالخطيئة الأصلية ولكن رفضت عقيدة الحبل بالعذراء بدون دنس الخطيئة الأصلية.

 

اترك رد