واضح أن الإنسان مخلوق من تراب، إذ نفخ فيه الله من روحه، فصار حيًّا. فهو تراب أو مادة حيَّة، ولكنه كان مخلوقاً على صورة الله في المعرفة وفي المشيئة الحرَّة. فحدث أن استخدمهما في عصيان الله وعمل الممنوع عن معرفةٍ وإرادةٍ حرَّة. فتشوَّهت معرفته وسقط من السيادة على إرادته، ونزل إلى الأرض ليعمل فيها. وهكذا صار الإنسان نهباً للشيطان الذي أوحى إليه وهو في النعيم أن يعصى الله بدافع شرير بعد حوار غير حذر؛ إذ في عملية استدراج، بادر الشيطان حواء الأضعف في الإنسان: ” أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة “(تك 1:3)؟ فتسرَّعت حواء دون العودة إلى رجلها بنوع من حرية الذات، مع أنهما كانا واحداً، وتكلَّمت عن نفسها وعن آدم ظلماً: ” فقالت المرأة للحية: مِنْ ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمسَّاه لئلا تموتا “(تك 2:3و3). فألقى الشيطان فخه المسموم أمام عقلها وذكَّرها بحرية إرادتها وقال: ” فقالت الحية للمرأة: لن تموتا (هكذا)، بل الله عالمٌ أنه يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفَين الخير والشر “(تك 5:3). هذا الكلام صحيح تماماً، ولكنه مطعوم بالسم، أين هو؟
صحيح أن الله أعطى الإنسان حرية إرادة ومعرفة، ولكن كانت الحرية مربوطة بالله، والمعرفة مستمدة منه، طالما كانا طائعَيْن خاضعَيْن. ولكن إن هما عصيا أمر الله، فالمعرفة تنقطع صلتها بالله، والحرية الشخصية تفقد تأمينها، ويصيران تحت سلطة الشيطان. لم تنتبه حواء للفخ ولا للسم الموضوع في الكلام الصحيح: ” فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون (الحواس بدون حراسة العقل المتَّصل بالله، والحرية بلا مدبِّر أو موجِّه)، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذتْ من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان… “(تك 6:3و7)
هذا كان مدخل خطية آدم، إذ بعصيان الله تعرَّى من نعمة الحفظ في حرية الله وتدبيره. وهكذا صار الإنسان بجسده الترابي فاقداً حريته المحفوظة في الله، ومعرفته المستمدة من الحق. صحيح أن له إرادة حرَّة، وصحيح أن له معرفة، ولكنه أصبح غير قادر على حفظ حرِّيته من سيطرة الشيطان، ولا أصبح قادراً على معرفة الحق الذي يحفظه بلا خطية.
فماذا يعمل الله للإنسان الذي انحاز بجسده لشهوات التراب، وانقطعت عنه معرفة كل ما فوق؟ وأصبحت حياته تنتهي نهاية واحدة أسماها آباء العهد القديم: ” طريق الأرض كلها “(1مل 2:2)، أي الموت. هكذا تحتَّم للإنسان أن يُخلق خلقة ثانية جديدة، إنما هذه المرَّة من فوق من الروح وليس من التراب.