«ثُمَّ جَاءَ أَيْضاً الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ».
العبد هنا بدأ يدين السيد على سلوكه وأخلاقه ويلصق به بناءً على ذلك تهمةً أنه السبب في كونه مضى وأخفى الوزنة في الأرض، فلا هو انتفع بها ولا نفَّع أحداً.
واضح لنا جداً أن غياب المحبة في قلب هذا العبد هي التي فصلت قلبه وذهنه عن سيِّده، كذلك عدم الأمانة وعدم الثقة جعلت الخوف يطغي على الطاعة ويضحِّي برضا السيد. ووصفه للسيد بالقسوة هو مجرَّد تبرير لسلوكه غير الأمين وشعوره غير المحب ولا الخاضع لأوامر السيد. فهو اتهام جزافي ليس عنده ما يبرِّره إلاَّ عجزه عن أن يكون خاضعاً وأميناً ونشيطاً.
ونحن يستحيل أن نبرِّر هذا العبد في قوله عن السيد أنه قاسٍ مهما كانت الأسباب التي يتذرَّع بها، لأن سيده علم أولاً أن لديه الطاقة والإمكانية والقدرة على تحمُّل مسئولية إدارة وزنة واحدة، ثم هو أُعطي بالفعل وزنة تساوي طاقته وإمكانياته تماماً. فهو محاصر بين دراية السيد بإمكانياته وطاقته وبين عطية الوزنة التي تساوي طاقته وإمكانياته. هذا فيما يخصّه تماماً، فكونه يخرج بعذر جديد ليس له علاقة بالمسئولية التي ألقاها السيد عليه، وهي مسئولية فيها تكريم ووعد جيد بالمجازاة. هذا شيء يذهلنا إذ بدل أن يدين نفسه ويطلب الرحمة والمعذرة، انطلق يبرِّر نفسه وسلوكه بأن يأتي باللوم على السيد أنه رجل قاسٍ. هذا أضاف إلى قضيته التي تنحصر في التهاون والكسل وعدم الأمانة والاستهانة بأوامر السيد عنصراً خطيراً في الحكم، إذ تعدَّى على شرف السيد كقاضٍ، وذمَّه علناً بأنه قاسٍ، وكأنها محاولة منه لرد القاضي عن أن يكون صالحاً للحكم والقضاء، وهذا يُحسب للعبد شناعة.
ومهلاً عزيزي، فلا تتحامل كثيراً على هذا العبد الشرير الكسلان فهو أنا وأنت!! لأن قضية العبد الذي خبَّأ وزنته في التراب، وعاد فاستذنب الله ليتبرَّر هو، هي قضية كل خاطئ يرفض الاعتراف بخطيته أو التوبة عمَّا يصنع، لأنه يقتنع أن الحياة بلا خطية مطلب إلهي غير عادل، فإن كان الله لم يزرع في الجسم الطهارة والتقوى فكيف يطالب أن يحصد ما لم يزرعه؟ وإنها قسوة من الله أن يطالبنا أن نرتفع فوق طبيعتنا التي صنعها لنا. بهذا نكون قد وضعنا أنفسنا موضع العبد الشرير الكسلان الذي لم يتاجر بموهبة النعمة من أجل الطهارة بل طمرها في الجسد (التراب) وعاد يبرِّر نفسه أمام الديَّان.
«فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ. فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِباً».
أمَّا كونه شريراً فلأنه عصى أمر سيده عصياناً مبيَّتاً، وهي نفس خطية آدم التي جلبت الخراب على بني جنسنا. فأمر الله يُطاع حتى الموت ولا عذر إطلاقاً لعصيان أمر الله. لأن ذلك معناه القطع من الحياة والحكم بالموت. أمَّا كونه كسلاناً ومتوانياً، فواضح لأنه لم يحاول ولو محاولة أن يعمل بالموهبة التي استأمنه عليها سيده، وقد أعطاها له بحكمة ودقة وعدل بما يساوي طاقته وإمكانياته. فسيِّده يعلم أن لا عذر له على الإطلاق.
«فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ».