مريم هي رمز لكل نفس بشرية قد أكتمل عمل الله فيها. هي رمز للكنيسة كلها، أو قل هي سابقة لنا كلنا. هي “عذراء عفيفة”.
لم تعرف (تتحد) مريم بأخر سوى الله. وفي اتحادها بالله حبلت بالكلمة. هكذا يريدني الله. أن تصير نفسي عذراء عفيفة “لا دنس فيها ولا غضن أو شيء مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب” (أف 5: 27).
عذراء عفيفة:
لا تشتهي بل حرة من الشهوة، وصلت لللاهوى (Apatheia).
مشفية من الخيالات وطياشة الفكر.
تعف عن الفضول في المعرفة والنظر.
لا تطرب لكلام المديح المعسول الذي يداعب المشاعر والكبرياء.
لكن كيف صارت مريم هكذا؟ عذراء عفيفة؟
لا يبدو أنه هناك إجابة سهلة لهذا السؤال. بل يتراءى الأمر كسرٍ. صامتة هي، تعف عن الثرثرة، وما يدعم كبرياءها تهرب منه، بل “كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها” (لو2: 19). إذاً فالصمت هو العرض الخارجي لسرها، أما الجانب الداخلي في سرها فربما يكون أولاً في تأملها الدائم لأعمال الله. ثانياً فهو في خضوعها المتضع لمشيئة الله. وذلك تحديداً هو ما جذبت به نعمة الله إليها. ألم يبشرها الملاك بذلك: “لأنك قد وجدت نعمة عند الله” (لو1: 30).
عجيب هو الوحي المقدس، إذ لم يذكر ولا مرة أي جانب للعلاقة بين مريم العذراء ويوسف النجار. ولا ذكر حتى لكلمة واحدة قد تبادلاها. كان المن المتوقع أن تقوم مريم بالدفاع عن نفسها وإيضاح ما يختص بحملها ليوسف. لكن ليس هناك سوى الصمت التام. في لحظات مثل تلك يكون مصير الإنسان على المحك. لكن مريم مأخوذة بالكامل داخلياً في الله، الذي تولى هو زمام الأمور فأرسل ملاكه ليعين يوسف البار على استيعاب هذا الوضع الصادم.
لكن يوسف أيضاً بدوره، مثل مريم، يمارس هذا التأمل الصامت. مرة أخرى يظهر التأمل الصامت كبوابة لدخول العمل الإلهي إلى دائرتنا الزمنية.
يمكن للواحد أن يخرج من تأمل تلك الأمور بهذه المعادلة الهامة. وهي أن التأمل في الإلهيات حينما يعمل مع صمت في خضوع متضع، يجتذب النعمة الإلهية لتعمل في الإنسان لتكسيه بالبر الإلهي. وهناك تكون زيارات النعمة، الاستبصار والتجليات.
تعليقات على متى 1: 18- 25
صوم الميلاد 2022
د. شــريف مــراد