وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ» (مت2: 1-2).
تحققت زيارة المجوس للطفل يسوع بعد عامين من ظهور النجم وذلك وفقاً لما جاء في متى عندما تحقق هيرودس منهم عن زمان النجم الذي ظهر لهم، فقتل أطفال بيت لحم من عمر سنتين فما دون، لماذا؟ لأن المجوس حددوا تاريخ أول ظهور للنجم لهم منذ سنتين. فهل استغرقت رحلتهم من بلاد الفرس إلى إسرائيل عامين؟ أم انتظروا في بلادهم عامين من تاريخ ظهور النجم لهم؟
ولكن قبل ان نشرح ذلك دعني أطرح لك سؤالاً: “هل الله يهتم بهذا العِلم ؟، هل يخبرنا الكتاب بهذا الحدث لنهتم بأخبار الفلك والنجوم؟!” كلا … ولكن الله كان يريد أن يعطي للمجوس إعلان عن طريق ما يستطيعون إدراكه. كما إنه يلفت إنتباهنا أن الله يتعامل مع كل إنسان بالطريقة وباللغة التي يفهمها، هو يريد أن يصل لكل إنسان أياً كان ومهما كانت معتقداته، الله يتنازل للبشر ليعلن ذاته ويتقابل مع الإنسان، وكما تكلم مع اليهود بالناموس والنبوات، وتحدث مع التلاميذ عن طريق صيد السمك، كذلك تكلم مع المجوس عن طريق النجوم.
حدثت سلسلة من ثلاثة اقترانات كوكبية توصل إليها العالم الفلكي يوهانيس كليبر مما أدّى إلى حدث إعجازي، كان هو نجم بيت لحم… أولهما كان في سنة 7 قبلَ الميلاد رأى المجوس كوكب زحل بجوار المشترى وهذا له تفسير عندهم عندما يروا هذا في مكان معين من السماء فهناك مواقع في السماء تتغير بحسب مدار الكرة الأرضية في مكانها حول الشمس. رأوا موقع الاقتران في مكان يسمى برج الحوت وعلامته السمكة ففي تقليدهم برج الحوت يشير إلى شعب إسرائيل وزحل بالنسبة لهم هو “أبو الآله”-الاب السماوي- وعندما يروا بجانبه المشترى فالمشترى يعنى بالنسبة لهم ملك أو “ميلاد ملك” وبالتالي فالرسالة بالنسبة لهم زحل بجوار المشترى في الحوت التي تعنى: “سيولد مـــلك من أصل إلهي عند اليهود”.
تلا ذلك أي 6 ق.م رأوا منظر أخر اقتران ثلاثي زحل والمريخ والمشترى. والمريخ معناه (مقاتل جبار أو إله حرب) فالرسالة هذه المرة: “سيولد ملك جبار من أصل إلهي عند اليهود.”
وفي 5 ق.م ظهر نجم غريب (مذنب) ظهر في برج الجدي وهذا البرج بالنسبة للشعوب القديمة هو مكان ميلاد الشمس ويعتبر بيت زحل فعندما رأوا هذا المذنب قرر المجوس أن يتقصوا الأمر لأن هذه هي المرة الثالثة مما يؤكد أن الحدث قد تم لأن تكرار الحدث للمرة الثالثة يعنى رمز الكمال. بحسب هذه الحسابات يكون المسيح قد ولد 5 ق.م ونلاحظ أنه عندما اتى المجوس لهيرودس كما يقول البعض لم يكن النجم يسير أمامهم بدليل إنهم ذهبوا لهيرودس ليسألوه اين ولد ملك اليهود؟ ولكن بعد خروجهم من عند هيرودس ظهر النجم وقادهم الى المذود حيث ولد الطفل يسوع.
قال المجوس لهيرودس أنهم رأوا النجم «في الشرق»، مما قد يشير إلى ظهور اعتيادي لكوكبة أو . تفسّر إحدى النظريات عبارة «في الشرق» الواردة في إنجيل متى 2: 2 على أنها متعلقة بـالشروق . وهناك نظرية تعتقد ان نجم الميلاد كان عبارة عن كويكب تحول إلى مذنب، والمذنب قصير المدى وله لمعان كالنجوم. ما المعنى الروحي لهذا؟ وما علاقته بدور هذا النجم؟ كان للنجم دوراً لامعاً في خدمة المسيح وخلاص النفوس، كان أول كارزاً بالمسيح للأمم، وأعلن للمجوس الملك الحقيقي والإله الحقيقي بطريقة يستطيعون إدراكها. فالعلامة هنا أن خلاص المسيح سيجمع البشر من أركان الأرض كلها. وعندما رأي المجوس الطفل الملك، أرادوا تكريمه وتعظيمه وتقديم العبادة اللائقة به وهذا ما اظهرته تقديماتهم. فالتمجيد واضح فيما قدموه للمسيح من كنوزهم التي عبرت عن مدى إستلامهم للإعلان الإلهي وحقيقة هذا الملك.
النجم في تحقيقه لدوره أصبح بارزاً ملفتاً للعيون وفي جذب الأنظار له، وتحويل الأنظار إلى شخص المسيح وجعلهم يقدمون المجد لله، وهكذا يظهر جلياً إستعلان أبناء الله ودورهم في الكرازة وتمجيد الله، وإستعلان حقيقة الله. فلولا ظهور النجم بهذا النور الشديد فلن يستطيع جذب إنتباه المجوس ولا كان يمثل لهم أي شيء، وبهذا المنطق أبناء الله إن لم يسطعون لن يستطيعوا جذب الإنتباه لله. “وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُور” (دا 12: 3).
نجم منير عجيب يجذب الإنتباه وفي جذب انتباه الاخرين يأتي دوره ليحول الإنتباه إلى ابن الله. فإذا اختبأ هذا النجم ولم يقم بدوره لم يتمكن المجوس من معرفة الإله الحقيقي -رغم أن دوره مؤقت- إلا إنه يخدم استعلان الملك العظيم ثم بعد ذلك يختفي بعد إتمام دوره. هكذا دور أولاد الله هو استعلان مجد الله وحيث وجدوا هناك الله، لا ليأخذوا مجد الله بل لإظهار ومعرفه مجده.”أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ.” (إش 42: 8). أولاد الله لهم دور في توصيل الله للأخرين، فحتماً تأتي إليهم العيون ويظهرون جيداً ليعكسوا مجد الله، لا ليستتروا ويختفون وإلا يخفون مجد الله. بالرغم من أخذ العيون لهم إلا انهم متضعون وكل هدفهم إظهار مجد الله وهذا هو الإتضاع الحقيقي.
مِيلَادُكَ أَيُّهَا المَسِيحُ إِلَهُنَا قَدْ أَطْلَعَ نُورَ المَعْرِفَةِ في العَالَم، لأَنَّ السَّاجِدِينَ للكَوَاكِبِ بِهِ تَعَلَّمُوا مِنَ الكَوْكَبِ السُّجُودَ لَكَ يَا شَمْسَ العَدْل، وأَنْ يَعْرِفُوا أَنَّكَ مِنْ مِشَارِقِ العُلُوِّ أَتَيْت، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.
شريف مـــــراد