يوم الخمسـين – يوم حلـول الروح القـدس – هو الحادثة المُؤسسة والمُكونة للكنيسـة،فلم تنشأ هيئة أو مؤسسة إجتماعية، بل إن “الخليقة الجديـدة التى للنعمة” قد وُلـدت، وفيها قد مَنح الله للإنسان إمكانية الحصول علي الحياة الخالدة .
لهذا فإن يوم الخمسين ليس حادثة إِكْتَمَلَ حدوثها في مرة واحدة وللأبد، ولكنه الحادثة التي دائما وبإستمرار تُكوِن الكنيسة.
* الكنيسـة هي وليمة، هي مأكل ومشرب. ولكن لكي يضمن هذا المأكل والمشرب حيـاة ( ليس مجرد حياة مؤقتة )، فهذا يستلزم عمل الروح القدس ــ المانح للحيـاة ــ وهو تحـول الطعام البائد إلي طعام غير بائد، إلي إمكانية الحياة الأبدية، إلي “إكسير الخلـود “. ففي كل إجتماع إفخارستي، تستدعي الكنيسة روح الله القدوس من أجل أن تكتمل الإستحالة الوجودية : ” ليحل روحك القدوس علينا وعلي هذه القرابين الموضوعة ويطهرها وينقلها قدسًا لقديسيه، وهذا الخبز يجعله جسدا مقدسًا له، وهذه الكأس أيضا دمًا كريمًا للعهـد الجديـد الذي له “.
والحشد المُجْتَمِعْ حول المائدة يشترك في الإستدعاء بهتاف التأييد “آميــن”، هذه الكلمة الصغيرة هي “نعــم” التى تعني حرية الإنسان في ظل محبة الله، وهي كتعبير ليتورجي، هي الرباط الكلي ” للعهــد “، فهي ربطة الوصل والمباركة التي من خلالها يتأقنم الفرد .
إن تأييد الحشد الأفخاريستي ــ لإستدعاء الروح القدس ــ يحدث ” في المسيح “، والذي هو “الآميــن”، “والشاهد الحق الأمين” رؤيا 3: 14
” لأن مهما كانت مواعيد الله فهو فيه “النعــم” وفيه “الآمين”، لمجد الله بواسطتنا” (2 كو20:1)
فنحن نطلب الروح القدس من الآب بقولنا “آمين” والتى هى قرابيننا التى نقدمها إلى الله والتي هي “المسيح نفسه”، وهي الطاعة المطلقة لإرادة الحياة الإلهية .ويستجيب لنا الآب في المسيح قائلا “نعم”.
* إن التحول الوجودي الذي يَكْمُلْ بحلول الروح القدس في الإفخارستيا، لا يشيرإلي الأشياء في نفسها ولا للإفراد في
أنفسهم بل إلي علاقة الأشخاص مع الأشياء، فهي علاقة قبول وتقديـم الخليقـة من وإلي الله بواسطـة الإنسان، العلاقة التي بها يتجلي نمط الوجود، مغيرة وجود الأشياء والأفراد في الإجتماع الإفخارستي مع الله إلي الإشتراك في كمال الحياة التي للثالوث.
نحن ندعو الله قائلين ” ليحل روحك القدوس علينا وعلي القرابين الموضوعة ويطهرها وينقلها قدسًا لقديسيه ” طالبين بالأخص إستحالة الحياة، حتي تصير الحياة عديمة الفناء، وأن تتحول القرابين والذين يتقاسموها، لكي يكون لهم نصيبًا في الخليقة الجديدة ــ متحررين من الموت ــ ” في جسد المسيح ” .
إن ما يتحول ــ بحلول الروح القدس المعطي الحياة ــ ليس هو طبيعة الأفراد والأشياء، بل هو نمط وجـود هذه الطبيعـة. فالإنسان يبقى مخلـوق، ونفس الشئ بالنسبة للقرابـيـن، لكن هذه الطبيعة المخلوقة يُسمح لها وتُعطي أن توجد عن طريق الإستسلام والإعتماد علي محبة الله والشركة معه، لا عن طريق أن تستمد وجودها من وظائفها الحيوية ( والتي هي مؤقتة وفانية ) – كما هو الحال بالنسبة للجسد المخلوق للكلمة الغير مخلوق، جسد ودم المسيح . فالمسيح لم يتجسد ظاهريا فقط ،علي مستوي المشاعر والنظم الاخلاقية، لكن تجسد أيضا بالطريقة التي خُلِقت وتَحْيَا بها الطبيعة البشرية .
إذا فالإنسان في الإفخارستيا لا يقدم لله مشاعره أوإنجازاته الأخلاقية، بل يقدم الطريقة التي يحيا بها حياته، وهي الحصول علي الغذاء الذي يبقيه موجودًا. إنه يقـدم غذائه ــ أي حياته ــ والذي يعني انه لا يحسبها ملكه، بل يعتبرها هبـه من محبة الله – ” نقرب لك قرابينك من الذي لك ” – هذا التقديم يقابله الرد المعطي الحياة للروح القدس، الذي يغير الطريقة التي تستمر بها الحياة إلي طريقة حياة عدم الفناء. وبهذا يرفع غذاء الإنسان – الخبز والخمر – إلي مستوي الحياة الأبدية في الإفخارستيا،أى الإتحاد بين المخلوق والغير مخلوق: إنه يرفع ويظهر كحادثة حياتية مبنية علي الجسد الكوني لله الكلمة، جسد ودم المسيح .
*إن ما يُتَممْ في الإفخارستيا الكنسية هو ما تُمِمَ بحلول الروح القدس علي أم الله(في التجسد)، وهو ما يُكَمَلْ في الخليقة كلها عند ” جمع كل شئ في المسيح “. أف 1 : 10