وفيما هو مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ ولادته”. (يـو1:9)
إن كان السيد المسيح قد اجتاز في وسط القيادات اليهودية واختفى منهم لأنهم حملوا حجارة لكي يرجموه (٨: ٥٩)، نراه يجتاز بجوار أعمى مسكين يستعطي، فيتطلع إليه لا كما يتطلع الآخرون إليه، إنما بروح الحب والترفق.
إنها صورة حيَّة للسيد المسيح الذي رفضه اليهود المعتزين بالهيكل، ليسير كما في الشوارع يطلب الأمم. إنهم عاجزون عن رؤيته لأنهم بلا نبوات ولا شريعة إلهية ولا رموز؛ إنهم أشبه بالمولود أعمى، مكانه الطريق، فقير يستعطي في حالة بؤس. وكما يقول أيوب البار: “لِمَ يعطي لشقي نور، وحياة لمُريّ النفس” (أي ٣: ٢٠).
لم يذكر الإنجيلي أين كان مجتازًا ولا إلى أين يذهب، لكنه إذ كان مجتازًا كحامل للآلام رأى هذا المولود أعمى. وكان فقيرًا يستعطي، في مكانٍ معين، حيث يقدم له بعض المحسنين عطاءً لكي يعيش.
كان معروفًا في المدينة أنه مولود أعمى، ولم يسأله الشخص ولا من هم حوله، ولا حتى تلاميذ السيد من أجل تفتيح عينيه، ربما لأنه لم يتوقع أحد حدوث ذلك.
تطلع إليه ربنا يسوع لكي يجده الأعمى المسكين، وكما جاء في إشعياء: “أصغيت إلى الذين لم يسألوا، وُجدت من الذين لم يطلبونني. قلت هأنذا لأمة لم تُسمى باسمي” (إش ٦٥: ١). بادر بالحب، فأحبنا قبل أن نعرفه، وكما يقول الرسول: “عُرفتم من الله” (غلا ٤: ٩).
* (إذ هو مملوء حبًا نحو الإنسان، مهتم بخلاصنا، ويريد أن يبكم أفواه الأغبياء لم يتوقف عن العمل من جانبه مع أنه لم يوجد من يبالي به. وإذ يعرف النبي ذلك قال: “كي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت” (مز ٥١: ٤). لذلك هنا عندما رفضوا كلماته السامية، قائلين أن به شيطان، وحاولوا قتله، ترك الهيكل وشفى الأعمى، مُسكنًا من ثورتهم بغيابه، وصانعًا المعجزة ليهدئ من قسوتهم وعنفهم، مثبتًا الحقائق. صنع معجزة غير عادية، بل حدثت لأول مرة. يقول الذي شُفي: “منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى” (يو32:9). ربما فتح البعض أعين عميان، أما مولود أعمى فلم يحدث قط. أما بخروجه من الهيكل تقدم للعمل عمدًا فواضح من هذا، أنه هو الذي رأى الأعمى، ولم يأتِ الأعمى إليه. بغيرة تطلع إليه، وقد أدرك تلاميذه هذا.)
القديس يوحنا الذهبي الفم