يقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في القداس الغريغوري: ”أنت، يا سيدي، حوَّلتَ لي العقوبة خلاصاً“. ما أعجب هذه المحبة التي حوَّلَت لي العقوبة خلاصاً!! لقد ذُهِلَ من عمقها واتساعها وطولها وعرضها القديس غريغوريوس في نفس هذا القداس وقال عنها: ”ليس شيءٌ من النطق يستطيع أن يَحُدَّ لُجَّة محبتك للبشر“.
وكذا القديس يوحنا الرسول يقول عن هذه المحبة اللانهائية: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون لي الحياة الأبدية» (يو 3: 16).
كما قال أيضاً عنها عندما تكلَّم عن ساعة انتقال الرب من العالم حينما حانت: «أمَّا يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالمٌ أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، إذ كان قد أحبَّ خاصَّته الذين في العالم، أحبَّهم إلى المُنتهى» (يو 13: 1).
كما أنه من شدَّة انذهاله لمحبة الآب لنا قال: «انظُروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعَى أولاد الله» (1يو 3: 1).
لقد كان الموت مصيرنا حينما أخطأ آدم أبونا وورَّثنا الموت. ولكن الرب بمحبته الفائقة دبَّر لنا خطَّةً، دفع هو كل تكاليفها بذَوقه الموت عنَّا ومعنا ولأجلنا، لكي يُخلِّصنا من الموت الأبدي ويهبنا الحياة الأبدية. أما هذه الخطة فهي ما عبَّر عنها بولس الرسول باختصار شديد:
«الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسة أن يكون مُعادِلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخِذاً صورة عبد، صائراً في شِبْه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وَضَعَ نفسه وأطاع حتى الموت، موتَ الصليب. لذلك رَفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كلُّ رُكبة مِمَّن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كلُّ لسان أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب» (في 2: 6-11).
وهكذا حوَّل لنا الرب العقوبة خلاصاً.
لقد كان الموت، وما زال، في نظر الكثيرين، طريقاً مُظلماً يخافه كل إنسان ويرتعب من مجرد ذِكْره؛ ولكن لما تجسَّد الرب وأَخذ طبيعتنا، واشترك في اللحم والدم مثلنا، أباد بموته ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، وأعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية (عب 2: 15،14).
فالمسيح بموته وقيامته «أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود» (2تي 1: 10). وهو لم يفعل ذلك لنفسه بل لنا، لأنه لم يكن ممكناً أن يُمسَك من الموت لأنه هو الحياة: «أنا هو القيامة والحياة» (يو 11: 25). وكما شهد هو أيضاً عن نفسه: «أنا هـو الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6). وهو لمَّا تجسَّد، ”أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له“ (ثيئوطوكية يوم الجمعة).