القصد من الخلقة الأولى للإنسان من تراب الأرض، هو أن الله أراد أن توجد أمامه خليقة من الأرض تسبِّحه وتحيا معه وترتقي إليه. فلما أخفقت الخليقة الأولى في ذاتها الترابي، صمَّم الله هذه المرَّة أن يخلقها من طبيعة ابنه القائم من بين الأموات، الروحانية غير القابلة للموت أو الفساد! فأرسل “كلمته” الذاتي حاملاً فكر الله، وبنوَّته، ومشيئته، وفعله.
+ واضح هنا أن الله عزم أن يمنح الإنسان هنا كلمته، أي معرفته، ليفتح معرفة الإنسان على معرفة الله:
“عرَّفتهم اسمك (شخصك) وسأُعرِّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم. “(يو 26:17)
+ وعِوَض بنوَّتهم لآدم التي كانت سبب الخطيئة ومصدرها، عزم أن
يعطيهم حقَّ التبنِّي لله، أي أن يكون الله أباهم:
” الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. “(رو 16:8)
+ وعِوَض حرية آدم التي استولى عليها الشيطان، أعطاهم”حرية مجد أولاد الله” (رو 21:8):
” فإنْ حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً. “(يو 36:8)
وهكذا وُلِدَ “الكلمة” ابن الله بالجسد، وأخذ “شِبه” جسد الخطية (رو 3:8)، ولكن بدون الخطية، مما يُثبت أن الجسد (اللحم والدم) ليس فيه خطية بحدِّ ذاته. فالخطية كامنة في الإرادة المحرومة من تدبير الله، والمعرفة المنقوصة البعيدة عن معرفة الله؛ اللتين تداخل فيهما الشيطان وأفسدهما.
ثم حمل الكلمة ابن الله المتجسِّد (المسيح) خطايانا في جسده على الخشبة، فأصبح قابلاً للموت وتحت العقوبة كإنسان، وهو أصلاً بلا خطية كإله. ومات بالجسد، فأكمل العقوبة في الجسد، وداس الموت وقام بالجسد، ذات الجسد ــ جسدنا ــ الذي صُلب به لأجلنا، قام بلا خطية وغير قابل للموت في وضعه الروحي السماوي. وهكذا سلَّمنا جسده القائم من بين الأموات ليكون جسدنا الجديد الروحي، فأصبح المسيح بذلك أبانا الجديد، آدم الثاني، الروح من السماء، عِوَض آدم الأول الترابي الذي من الأرض:
+ ” صار آدم، الإنسان الأول، نفساً حيَّة، وآدم الأخير روحاً مُحيياً…
الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء…
وكما لَبِسنا صورة الترابي، هكذا لنلبس صورة السماوي. “(1كو 45:15و47و49)
وسلَّمنا المسيح جسده الروحي هذا في سر المعمودية الذي فيه نولَد جديداً بالروح له وعلى شكله في البر وقداسة الحق، معتبرين أننا مولودون من الله:
+ ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلِدوا ليس من دمٍ، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله! “(يو 12:1و13)
+ ” لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. “(تي 5:3)
+ ” كل مَنْ يؤمن أن يسوع هو المسيح، فقد وُلِد من الله. “(1يو 1:5)
+ “مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل ممَّا لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد”(1بط 23:1)
+ ” لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلَّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. “(غل 26:3و27)
+ ” إن كنتم قد سمعتموه وعُلِّمتُم فيه كما هو حقٌّ في يسوع، أنْ تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. “(أف 21:4–24)
+ ” لا تكذبوا بعضكم على بعض، إذْ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه. “(كو 9:3و10)
وهكذا منحنا الله أعظم عمل بعد خلقتنا الأولى الترابية، وهو خلقتنا الثانية الروحية من فوق، من الماء والروح بالميلاد الثاني، في الإنسان الجديد المخلوق في المسيح، ومن طبيعة المسيح القائم من بين الأموات، الذي من طبيعته أن يتجدَّد فينا بالروح القدس:”من مجد إلى مجد كما من الرب الروح. “(2كو 18:3)