إن مصطلح التسليم “Παράδοση” قد ورد في العهد الجديد بشأن التعليم
الذي يُسلم، مثلاً في ( 1كو 2:11 ) “فأمدحكم أيها الاخوة على أنكم
تذكروننى في كل شئ وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم”. إذن
بهذا المصطلح نعني كل ما يخص محتوى إيمان وحياة المسيحية الأرثوذكسية، والذي سُلم عن طريق “الإله المتأنس” المسيح إلى تلاميذه ورسله وبالتتابع نُقل بواسطتهم
إلى الكنيسة بتعاقب مستمر لا ينقطع للأساقفة خلفاء الرسل. كانت الكلمة
الشفاهية والحية للرسل، في القرن الأول، تُنقل من فم إلى فم، وأصبحت
الكنيسة مميزة بالتقليد الرسولى الشفاهي، لكن هذا التقليد، بمرور الزمن، صار
مكتوبًا وانضم إلى الحقائق الصادقة التى تشهد لتفسير الكتاب المقدس. إن الرسل،
كما هو معروف، قد سلموا فقط جزءً صغيرًا من الإعلان الإلهي مكتوبًا، أى
كتب العهد الجديد. لكن أهمية التقليد الشفاهي أبدًا لم تَقِل، لأن محصلة الإعلان
الكتابي سلمه الرسل إلى الكنيسة شفهيًا كتقليد رسولي شِفاهي.
لقد امتثل تلاميذ ورسل الرب لوصيته بأن يكرزوا بإنجيله إلى كل الأمم،
وذهبوا إلى المسكونة كلها “حتى أقاصى الأرض” (مت 19:28 ). لذلك دعا
الرب تلاميذه رُسلاً (لو 13:6 )، لأن الرسالة لم تكن مجرد رسالة معتادة لكن أمر
إلهي لتحقيق ما قد أُمروا به بسلطان (مت 1:10 ، مر 15:3 ، لو 9). وبجانب أنهم
صاروا شهودًا للرب بواسطة التقليد الشفاهي، شعروا في ذواتهم أنهم حاملون لهذا
التقليد (غلا1،2كو 9:15 ) وساهموا كتابيًا بجزء من هذا التقليد أى تعليم الرب ،
بدون أن يتمكنوا من كتابة كل ما قاله الرب وعمله. إن محتوى كتابات الرسل
يظهر كشهادة لهذا التقليد الشفاهي، والذي تسلمه الرسل أنفسهم وكان ينبغى
أن يسلموه للاحقين (1كو14:7 ) مع ملاحظة أن التقليد المكتوب لم يُغط تمامًا كل الإعلان الكتابي (أى كل ما علمه وقاله الرب).
وفي هذا الاطار نستطيع أن نفهم ما يُقال بأن الكُتّاب القديسين كتبوا بناء على
ظهور مسببات معينة وحوادث، ولذا فإن ما كتبوه كان لخدمة هدف خاص.
والقديس يوحنا يوضح هذا الأمر عندما يقول: “آيات أُخر كثيرة صنع يسوع
قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا
أن يسوع المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”
(يو 3:20) وأيضًا “إذ كان لى كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون
بورق وحبر لأنى أرجو أن آتى إليكم وأتكلم فمًا لفم لكي يكون فرحنا
كاملاً” ( 2يو 12 ). ويكتب القديس بولس إلى أهل كورنثوس قائلاً: “وأما
الأشياء الأخرى فلما أجئ سأرتبها”، ويقول فى موضع آخر: “وما سمعته
منى بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين
أيضًا” ( 2تي 2:2 ).
إذن من الواضح جدًا، أن التقاليد الشفاهية وتعاليم الرسل يمثلان التعبير الأساسي
للإعلان الإلهي، وكوسيلة أساسية نحو حفظ وانتقال محتوى هذا التقليد. وهكذا
شُكل “نموذج للتعليم” (رو 17:6 )بَشَرَ بمقتضاه الرسل ومَن أتوا بعدهم بالإنجيل
إلى كل المسكونة،