1. كيف فارق روحُ الله الإنسانَ بسبب السقوط؟
– في شرح كيف اقتبل الإنسانُ روحَ الله في الخلقة عندما نفخ الله في أنفه نسمة حياة، وكيف فارق روح الله الإنسان بسبب تعدِّي الإنسان لوصية الله، وكيف تجسَّد كلمة الله وصار إنساناً مثلنا واقتبل الروح القدس من الآب بصفته واحداً منا حتى يحتفظ به لنا في داخل طبيعتنا ويهبه لنا بدون أن يُفارقنا مرة أخرى؛ يقول القديس كيرلس الكبير موضِّحا ذلك:
+ يقول موسى إن الله خلق الإنسان، وإنه «على صورة الله خلقه» (تك 1: 27). ثم يُخبرنا أيضاً أنه طبع وختم عليه الصورة الإلهية بواسطة الروح قائلاً: «ونفخ في أنفه نسمة حياة» (تك 2: 7)، لأن الروح صار – في وقت واحد – يبعث الحياة في خليقته، ويطبع عليها صورته الخاصة على مستوى إلهي.
وهكذا كان الإنسان في الفردوس محتفظاً بعطية الروح، وعظيماً بصورة خالقه الإلهية المطبوعة عليه بالروح القدس الساكن فيه. ولكن لما أغوته حِيَل الشيطان، وبدأ يستهين بخالقه ويتعدَّى الوصية، ويُقدِّم الإساءة عِوَض الإحسان؛ عاد الله وسحب منه النعمة المُعطاة له، وصار الإنسان المخلوق أصلاً للحياة يسمع لأول مرة: «إنك تراب وإلى التراب تعود» (تك 3: 19). وهكذا انطمست مشابهته لله بسبب الخطية… والروح أيضاً فارق الإنسان، وحينئذ وقع هذا المخلوق العاقل في منتهى الجهل والجنون، جاهلاً حتى خالقه.
وهكذا ظهرت أخيراً طبيعة الإنسان عارية تماماً من الروح القدس الذي كان يسكن فيه أصلاً: «فالحكمة (روح حكمة القدوس) لا تدخل نفساً ماكرة – بحسب المكتوب – ولا تَحِلُّ في جسدٍ تستعبدُه الخطيئة» (حكمة 1: 4). ولما كان آدم الأول لم يحتفظ بالنعمة المُعطاة له من الله، قَصَدَ الله أن يُرسل لنا من السماء آدم الثاني. فلما صار كلمة الله إنساناً اقتبل بصفته واحداً منا الروح القدس من الآب، فهو لم يقبله بصفته الشخصية (أي بصفته كلمة الله)، إذ أنه هو نفسه مُعطي الروح؛ بل بالحري قَبِله كإنسان حتى يحتفظ به لنا في داخل طبيعتنا، ويجعل النعمة التي فارقتنا تدبُّ بجذورها من جديد فينا. وأعتقد أنه لهذا السبب أضاف المعمدان قائلاً: «إني رأيتُ الروح نازلاً من السماء، فاستقرَّ عليه» (يو 1: 32)، لأن الروح فارقنا أصلاً بسبب الخطية، ولكن ذاك الذي لم يعرف خطية صار كواحدٍ منا (أي إنساناً)، حتى يجد الروح فيه فرصة جديدة للاستقرار فينا، إذ لا يجد فيه سبباً للمفارقة.
وهكذا نراه يقبل من أجلنا الروح القدس في نفسه ليستعيد لطبيعتنا ذلك الخير القديم (أي حلول الروح فيها). فإنه بهذا المعنى قيل عنه إنه ”افتقر من أجلنا لكي يُغنينا بفقره“ (2كو 8: 9)، فكما أنه مع كونه هو الحياة بطبعه قد مات بالجسد من أجلنا لكي يغلب الموت عنا ويُقيم الطبيعة البشرية كلها معه – لأننا جميعاً كنا فيه بسبب كونه إنساناً – هكذا أيضاً (مع كونه يقتني الروح جوهرياً في نفسه) قد قَبِلَ الروح من أجلنا لكي يُقدِّس به كل الطبيعة البشرية.